أجور قليلة وأجواء مخيفة.. قصص متنوعة وغريبة عن السوريين في أربيل

أجور قليلة وأجواء مخيفة.. قصص متنوعة وغريبة عن السوريين في أربيل

السابعة-متابعة

استعرض تقرير صحفي قصصا غريبة ومتنوعة عن معاناة السوريين العاملين في العراق ومحافظة أربيل تحديدا في اقليم كردستان، المدينة التي اصبحت جاذبة بشكل كبير للسوريين للحصول على فرص عمل، الا ان هذا الجذب الكبير، الذي أدى لتكاثر اعداد السوريين هناك، أصبح “نقمة” أيضًا، لأنه تسبب بقلة أجورهم، وزيادة المعروض من الايادي العاملة من السوريين هناك، فضلا عن الاجراءت الامنية التي تجعلهم غير مطمئنين على الدوام.

ويقول التقرير الذي نشرته “الميادين” وتابعته السابعة، إن “10 سنواتٍ من الحرب، جعلت كثيراً من السوريين يتخذون خيار السفر هرباً من أشياء كثيرة، لعلّ أهمها سوء الوضع الاقتصادي الذي فاقمه الحصار والعقوبات الغربية الجائرة على البلاد”.

ويضيف التقرير أنه “في ظلّ صعوبة الطريق إلى القارة الأوروبية، صار يتردد على لسان السوريين بكثرة اسم مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، نتيجة التسهيلات التي تمنح هناك للعمالة السورية، ما أعطى الكثيرين أملاً بتحسين أوضاعهم وإعانة أسرهم على المصاعب المعيشية”.

وبحسب شركتي الطيران السوريتين، فإن معدل الرحلات ارتفع في السنوات الماضية من رحلتين أسبوعياً إلى رحلة كل يوم، تقلع من دمشق لتهبط في مطار أربيل حاملةً 200 راكب.

ما من إحصائية رسمية حتى الآن تحدّد عدد العمال السوريين في أربيل، لكن بحسب مواقع صحافية عراقية فإن السوريين الذين وصلوا في العام الماضي، تجاوز عددهم 150 ألفاً.

وعلى ما يبدو فإن واقع العمل في أربيل، لا يطابق تلك الصورة الوردية التي ترسمها مكاتب السفر ومنشورات طلب العمالة على مواقع التواصل الاجتماعي، فأرباب العمل باتوا يعلمون بمعاناة السوريين وأوضاعهم المعيشية الصعبة، لذلك لا يتورع معظمهم عن استغلالهم بوسائل مختلفة.

 

أنت سوري.. يعني عليك أن ترضى بالقليل

مفترشاً أحد الأرصفة في سوق “عين كاوا” للعمال المياومين في أربيل، يجلس أبو خالد شارد الذهن، لا يعيده إلى الأجواء سوى صرخة أحد رفاقه ممن يتخذون الرصيف كذلك مكاناً لجلوسهم، “أسرع.. إجا الفرج”.

لكن الرجل الأربعيني لا يتزحزح من مكانه، يبتسم بسخرية ويقول: “أحسده على هذا الأمل.. راقبي كيف سيعود جاراً أذيال الخيبة”.

لم تمضِ دقائق حتى عاد الرجل الآخر ليجلس من دون أن ينبس ببنت شفة.

يتابع ابن الغوطة الشرقية في ريف دمشق حديثه، شارحاً ما حدث: “نجلس هنا كل يوم في انتظار أرباب العمل ممن يحتاجون إلى عمال للمساعدة في التعتيل والبناء، وكلما أتت سيارة نركض جميعاً في اتجاهها، لعل أحدهم يرضى عنا ويختارنا، ولكن لا فرص كثيرة لنا في ظل وجود شباب عشرينيين، يجدهم أرباب العمل أكثر منا عزماً وعزيمة”.

يشير أبو خالد إلى وجهه المسمرّ بقوة، ويقول: “هذه نتيجة الانتظار طوال الصيف تحت أشعة شمس أربيل الحارقة التي تتجاوز الأربعين”.

ويضطر الرجل الذي وصل إلى أربيل العام الماضي، إلى الانتظار مدة تصل إلى أسبوع أحياناً، كي يجد عمل يوم أو يومين ويحصل على أجرٍ “سقفه 15 ألف دينار إذا عطف علينا رب العمل، فيما حقنا الطبيعي يجب ألا يقل عن 25 ألف دينار”، على حد قوله.

يعزو أبو خالد سبب هذه المعاملة المجحفة، و”الاستقواء على العمال السوريين عاى نحو خاص”، إلى “كثرتهم هناك” ويختم: “أنت سوري يعني عليك أن ترضى بالقليل، لأن الجميع يعرف أوضاع بلدك الاقتصادية، ويعرف أنك تالياً مضطر إلى أن تعمل أي شيء”.

 

لا تأمينات ولا ضمانات تثبت حقوق العمال 

كل يوم، في الخامسة والنصف بعد الظهر، يعود عماد منهكاً إلى غرفته، التي يشاركه فيها عمال آخرون بعد نهار عمل مضنٍ، في أحد أهم المصانع الغذائية في أربيل.

ومع أن الشاب الثلاثيني حاصل على شهادة الماجستير في علم الاجتماع، فإنه يعمل بغير اختصاصه مع عمال لم يحصل عدد منهم على الشهادة الثانوية حتى.

 ويوضح: “كنت أخطط لمتابعة رسالة الدكتوراه، لكن وفاة أبي قبل ثلاث سنوات غيّرت كل شيء، لقد بقينا من دون معيل، والظروف الاقتصادية تطحن الناس بلا هوادة في البلاد، فما الذي يسعني فعله وأنا لا أملك سوى شهادة الماجستير التي إن استطعت إيجاد عمل بها، فلن يزيد على ما يعادل 40 دولاراً في الشهر فقط”.

يعيش خريج جامعة حلب هاجس القلق من تبعات التعرض لأي إصابة، في ظل عمل لا يضمن له أي تأمينات صحية، ويشرح: “عادة ما تكون مثل هذه المعامل خاضعة لرقابة قوية من الوزارات المختصة، وهذا ما جعلني أشعر بالأمان بدايةً، لكنني علمت فيما بعد أن هذه المصانع،و على الرغم من أرباحها الضخمة،تتهرب من تسجيل العمال، وإجراء الفحوص لهم لخفض النفقات”.

أما عن كيفية اكتشافه ذلك، فيقول عماد: “في إحدى المرات جاء تفتيش، فأمرونا بأن نجتمع بسرعة في غرفة جانبية وألا نصدر صوتاً، لم نعرف بداية ما السبب، كان الأمر أشبه بلعبة الاختباء، لكن حين طلبوا إلينا بحزم ألا نخرج إلا بعد أن يخبرنا أحد بانتهاء التفتيش، فهمنا جميعاً ما السبب”.

 

يشير إلى أحد زملائه في الغرفة، ويختم: “لا يمكننا التفوه بشيء، لأنه، ويا للأسف، لا عقود ولا ضمانات تثبت الحقوق المالية للعمال، عند تهرّب رب العمل من دفع الأجور، صحيح ما متنا، بس شفنا اللي ماتوا”.

 

يُقلّب محمد وهو زميل عماد في الغرفة بعصبية التعليقات على أحد المنشورات في فيسبوك ويعلّق:”لا فائدة حتى الآن”.

وكانت أم محمد، قد نشرت من بيتها في سوريا طلب مساعدة وعمل لابنها، ووزعته على جميع المجموعات التي تعرفها، بعد أن انتهى به الأمر عاطلاً من العمل وعاجزاً موقّتاً.

يحكي الشاب الثلاثيني كيف وصل إلى هذه الحال، ويقول: “أعمل منذ أكثر من سنة في أحد المولات التجارية بأربيل، وأحصل على راتب شهري قدره 400 دولار، ومع أنني والعمال الآخرين من الجنسيات المختلفة كاللبناني والتركي نؤدي العمل نفسه، فإنهم يتقاضون ما يقارب ألف دولار شهرياً، لكنني بالطبع لا أستطيع أن أحتج، لأن الحصول على عمل صار اليوم أصعب، والحاجة قاسية”.  

 

ينظر بحسرة إلى الجص والقضبان الطبية الموضوعة في قدمه، ويتابع: “حصلت قبل فترة، على عمل إضافي كموصل طلبات في أحد المطاعم ضمن المول الذي أعمل فيه، وفي أثناء قيامي بإحدى المهمات تعرّضت لحادث سير، أقنعني صاحب السيارة التي صدمتني بأنه سيتكفل بجميع نفقاتي، على ألا أقدم شكوى، وهو ما حدث، ثم استفقت ولم أجد أحداً أمامي سوى فواتير وأكوام أدوية علي دفع ثمنها”.

 

لا أحد وقف إلى جانب محمد سوى زملائه في الغرفة المستأجرة التي يسكنون فيها معاً، حتى صاحب المطعم الذي وقع الحادث في أثناء العمل لديه تهرب من دفع أي شيء، لا بل فوجئ محمد بسرعة توظيف شاب آخر مكانه.

 

من يحمي المرأة العاملة من التحرش؟

تعمل لانا موظفة استقبال في أحد صالونات التجميل النسائية، وهي واحدة من بين أكثر من 10 سوريات يعملن في المكان نفسه.

تشعر الشابة العشرينية بالارتياح، لكونها استقرت أخيراً في وظيفة توفر لها دخلاً معقولاً، بعد سلسلة من التنقلات الإجبارية بين أماكن عمل متعددة تعرضت فيها للتحرش. 

بابتسامةٍ واسعة تبدأ لانا حديثها إلى الميادين نت، وتقول:”على الأقل نحن في المركز جميعاً نساء، وهذا ما يشعرني بالأمان”.

وتشرح لانا كيف طُردت من أول عمل لها لأنها لا تعرف كيف “تُساير” الزبائن: “فور وصولي بدأت العمل نادلةً في أحد المطاعم، لكنني، ويا للأسف، كنت عرضةً للتحرش اللفظي، وأحياناً الجسدي من قبل بعض الزبائن، ربما سماعي أتحدث باللهجة السورية كان يعني لهم مباشرةً أنني محتاجة، وفي سبيل ذلك قد أمنحهم جسدي في مقابل المال”.

وكأنه لم يَكفِ ابنة حمص تعرضها للتحرش، ومعاناتها من أذية معنوية ونفسية كبيرة، فاتهمها صاحب المطعم فيما بعد “بتضخيم الموضوع” ولامها على خسارة بعض الزبائن، قبل أن ينتهي الأمر بطردها.

الشابة التي قطعت دراستها في سوريا، في سبيل تحصيل لقمة العيش، تنزعج من نظرة المجتمع إلى أي سيدة وحيدة، والاعتقاد الدائم بأنها سهلة المنال، وغير قادرة على حماية نفسها، وتقول: “لو لم أحظَ بهذا العمل أخيراً، لعدت بلا تردد إلى قريتي، هذه الأعمال ليست لي، لكن أختي من شجّعني على السفر ولحقت بها كي نؤنس وتعين بعضنا الأخرى”.

تمسك ليلى يد أختها وتضغط عليها بشدة، محاولةً صرف النظر عن علامات التأثر التي بدت على وجهها، وتقول للميادين نت: “أنا لم أتعرض لما تعرضت له أختي، لكنني أيضاً أواجه مصاعب من نوع آخر، فأنا أعمل مدبرة منزل هنا، وهذا ما سيرفضه أهلي رفضاً قاطعاً في حال علموا بذلك”.

وتتابع خريجة كلية العلوم القول: “بنود العقد تنص على أنني مسؤولة عن رعاية المرأة المسنة فقط، والطبخ لها، والحال أنني أقوم بأعمال المنزل كافة، حتى إنني أحياناً أضطر إلى إعانتها على قضاء حاجاتها الشخصية، وهذا ليس في العقد”.

يأتي أبناء هذه السيدة لزيارتها ساعات خاطفة في الأسبوع، وعندما احتجت ليلى على العمل المجحف، وطالبتهم بزيادة مرتبها قالوا لها: “لستِ الوحيدة، هناك 100 عاملة تنتظر إشارة فإن كنت تريدين ترك الوظيفة.. مع السلامة”.

تحديات مضاعفة أمام النساء المتزوجات 

واجهت المرأة السورية تحديات كبيرة بعد الحرب، وشهد المجتمع تحولات جديدة، لعل أبرزها ظاهرة ازدياد سفر المرأة المتزوجة بمفردها، للبحث عن فرصة عمل خارج البلاد، لإعالة أسرتها.

الطبيبة ميساء، اسم مستعار هي في أربيل منذ 4 سنوات، للعمل في أحد المستشفيات باختصاص جراحة العظم.

لم يكن الأمر سهلاً على السيدة التي أنهت عامها السابع والثلاثين قبل بضعة أيام، فهي “تشعر يوميّاً بالاشتياق الشديد إلى زوجها وطفليها التوأمين، اللذين لم يتجاوز عمرهما 7 سنوات”.

تستعرض على هاتفها المحمول عدّة صور وتقول: “يا إلهي كم كبروا في غيابي!”. وتشرح: “لقد بدأت القصة عندما أنجبت أولادي، فنفقات الأطفال عالية جداً، وأنا وزوجي ليس لدينا سوى راتبينا الشهريين، الذين يعادلان معاً أقل من 80 دولار، وهو مبلغ حرفياً لا يكفي أبداً”.

لم يخطر خيار السفر في بال ميساء قط، إلى أن قرأت مصادفةً منشوراً على الفيسبوك لإحدى زميلاتها السابقات في الدراسة، تقول فيه إنها انتقلت إلى أربيل للعمل طبيبة، وهي مرتاحة جداً.

وتتابع الحديث: “ترددت كثيراً في طرح الموضوع على زوجي، لكن ما فاجأني هو تشجيعه الشديد لي، لكونه لا يقدر على مغادرة البلاد بسبب ارتباطه بالوظيفة الحكومية، وهذا ما حصل فعلاً، لقد سافرت”.

تشعر ميساء بالارتياح، لأن أسرتها الصغيرة في الوطن صارت تعيش في شيء من البحبوحة، لكن في الوقت نفسه ينتابها خليط من مشاعر مختلفة أخرى، تشرحها قائلة: “مذ سافرت وأبي وأمي لا يتحدثان إلي ولا إلى زوجي أبداً، فهما لم يتقبلا فكرة سفري وحدي وعملي في الخارج حتى هذه اللحظة، ويصفانني بأنني أنفق على زوجي، كما أنني حزينة أشد الحزن لأنني لم أرَ أطفالي كيف يكبرون ويتحدثون إلا بإجازات قصيرة لا تكفيني، والأمر الأسوأ أنني صرت أتساءل هل سيتخلى عني زوجي لاحقاً، هل أندم لأنني لم أنجب أكثر، هل أنا سعيدة؟”.

تتوقف الطبيبة للتفكير ملياً في آخر سؤال طرحته على نفسها وتقول: “التقيت كثيراً من السيدات اللواتي يشاطرنني هذه التجربة والظروف، هذا الأمر يهون علي أحياناً، ومع ذلك أفكر ملياً في إنهاء حال عدم الاستقرار هذه”.

تسرّ إلينا أنها تلقّت في الفترة الأخيرة إنذارين بسبب تقصيرها في العمل الناتج في رأيها عن الاكتئاب الذي تمر فيه، نتيجة ظروفها وتختم: “لم أخبر أحداً بذلك، لا أحد يرحمني، العمل في المستشفى يستنزفني، ولا أحد يدرك ما أمر به من معاناة نفسية، فوق ضغوط العمل الشديدة، حتى الإدارة قد تتخلى عني بسهولة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *