في الطريق إلى تايوان!.. كيف استعادت الصين “لاس فيغاس” من البرتغال؟

في الطريق إلى تايوان!.. كيف استعادت الصين “لاس فيغاس” من البرتغال؟

قي مثل هذا اليوم قبل 23 عاما استعادت الصين مقاطعة مكاو من البرتغال، وأنهت في حالة نادرة من نوعها في التاريخ، حقبة استعمارية طويلة استمرت 442 عاما.

لم يعد للأوروبيين مواطئ قدم في الأراضي الصينية، ولم يعد من الممكن التعامل مع الصين كما في القرون الماضية، ككيان هش يسهل إخضاعه وفرض الشروط المجحفة عليه، خاصة بعد أن استعادت قبل ذلك في عام 1997 جزيرة هونغ كونغ من البريطانيين بعد 99 عاما من خروجها عن السيادة الصينية. ولم يعد أمام اكتمال وحدة بلاد التنين إلا مهمة أخيرة أكثر تعقيدا من السابقتين، ألا وهي تايوان.

بصبر وحنكة مع تعاظم القوة الاقتصادية والعسكرية في العقود السابقة، واصلت بكين لملمة ما اقتطع منها. وهنا تتميز مكاو بظروف خاصة، تصلح أن تكون نموذجا عن السياسة الصينية طويلة النفس لتحقيق أهدافها.

ماكاو

ماكاو يعد إقليما ساحليا صغيرا لا تزيد مساحته إلا قليلا عن 30 كيلو مترا مربعا، ولا توجد به أية ثروات، عدا الثروة السمكية، لكنها ازدهرت في العقود الأخيرة باعتبارها مركزا سياحيا هاما.

كما يعد هذا الإقليم بالنسبة لعدد السكان متواضعا بالمعايير الصينية، حيث يقطنه الآن 650 ألف نسمة، فيما كان عدد السكان قبل 450 عاما لا يتعدى عشرات الآلاف.

إلا أن أهمية موقع ماكاو جعلتها موضع أطماع لفترة طويلة من قبل الإسبان والبرتغاليين والبريطانيين، فكيف وصلت البرتغال إلى هذه النواحي البعيدة؟

أجبر البرتغاليون الصين على منحهم إقليم ماكاو للاستخدام على المدى الطويل ودفعوا إيجارا إلى البر الصيني الرئيس. احتاج البرتغاليون إلى هذه المنطقة لتكون ميناء تجاريا لنشاطاتهم المربحة في المنطقة، ثم قاموا ببناء قاعدتهم العسكرية في شبه الجزيرة، وفي  شكل من اشكال “تقاليد القوة الاستعمارية”، نصّبوا حاكما عاما لهم هناك.

حاول البرتغالين سلخ سكان المنطقة عن جذورهم وثقافتهم إلا أن هؤلاء و90 ٪  منهم صينيون، قاوموا ذلك وأثبتوا أن للصينيين خصوصية ثقافية لا يمكن  استبدالها، بل على العكس من ذلك، اندمجت جميع الشعوب التي أتت إليهم في الثقافة الصينية.

بعد قرنين من تأجير ماكاو، أعلن البرتغاليون من جانب واحد أن ماكاو جزء من بلادهم، وتوقفوا عن دفع مستحقات الإيجار، واستجلبوا عدة آلاف من مواطنيهم، كما واستخدموا أسطولهم الحربي لكبح جماح الصين في محاولاتها لاستعادة ماكاو.

في ذلك الحين لم تكن الصين الضعيفة قادرة على استعادة شبه الجزيرة بالقوة، لكنها خاضت طوال قرون صراعا سياسيا ماكرا متواصلا، حتى أنها أبرمت عدة مرات معاهدات سلام مع البرتغال واعترفت بماكاو على أنها برتغالية، لكن السلطات الصينية لم تصدق بتاتا على هذه المعاهدات.

يمكن القول إن الصينيين أمة صبورة، وهي تعرف كيف تنتظر وتتحين الفرص. بعد تأسيس الصين الشعبية في عام 1949، أعلنت بكين أنها لا تعترف بالمعاهدات السابقة مع البرتغال واعتبرت ماكاو جزءا لا يتجزأ من أراضيها.

 لمدة 50 عاما، قامت الصين بجهود للحفاظ على استقرار مواطنيها في ماكاو، وقامت بتطوير التجارة والحركة المتبادلة للمواطنين، وساندت أي محاولات تمرد من قبل السكان المحليين ضد الحكام العامين البرتغاليين، ولم تذهب هذه الجهود الطويلة سدى.

تمسك سكان ماكاو بشخصيتهم الصينية، وبدأ التململ في صفوفهم يسبب مشاكل للحكام البرتغاليين في سبعينيات القرن الماضي. ظهر ذلك في شكل مقاطعة من السكان المحليين للبضائع والسلع البرتغالية.

طوال تلك العقود كان سكان شبه جزيرة ماكاو ينتظرون أن تضعف البرتغال اقتصاديا وسياسيا. وزاد البر الصيني الرئيس من حجم التجارة مع البرتغال، وسعى إلى أن تصبح بكين شريكا ضروريا ولا غنى عنه، بحيث تنشأ ظروف يكون فيها من غير المفيد للبرتغاليين قطع العلاقات التجارية.

 وهكذا، في عام 1999، اتفقت الصين والبرتغال على نقل ماكاو إلى الولاية القضائية للصين بشروط خاصة تتمثل في احتفاظ ماكاو لفترة طويلة بحقوق واسعة في مجال الثقافة وسياسة الهجرة والمجال النقدي والمالي وما إلى ذلك، وأن تبقى اللغة البرتغالية أيضا اللغة الرسمية في شبه الجزيرة، وبذلك عادت ماكاو إلى الوطن الأم.

يشار إلى أن ماكاو تعرف بأنها “لاس فيغاس”، وهي المكان الوحيد في الصين الذي يسمح فيه رسميا بالقمار. وبحسب بيانات عام 2013، زار شبه الجزيرة 29 مليون سائح، وتجاوز إجمالي دخل مؤسسات القمار المحلية الأرباح التي جنتها “لاس فيغاس” الأمريكية، ومن المقرر أن تحتفظ ماكاو بوضعها الخاص حتى عام 2049.

في الطريق إلى تايوان، واستكمال وحدة الأراضي الصينية، اتبعت بكين سياسة جريئة تتمثل في “دولة واحدة ونظامين”. نجح هذا المبدأ مع “هونغ كونع” و”ماكاو”، وتحاول الصين أن تستعيد بواسطته “تايوان”، إلا أن المشكلة مع هذه المنطقة الأكبر مساحة والأكثر تعقيدا، شاقة وعويصة بسبب التدخلات الأمريكية.

في المعركة على تايوان، تلعب واشنطن هي الأخرى بطريقة ماكرة مع بكين، وهي فيما تقر بأنها جزءا من التراب الصيني، تساند وتسلح الجزيرة بطريقة ملتوية كي تبقى بعيدة عن القبضة الصينية. ولا تزال الولايات المتحدة تمارس نفس الدبلوماسية الخطرة التي كانت الدول الأوروبية تتحرش بواسطتها بالصين، إلا وهي دبلوماسية مدافع الأسطول، والضغط العسكري بالبوارج وحاملات الطائرات لكبح طماح المارد الصيني.  

المصدر: RT

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *