من هنا مر أعنف إعصار في تاريخ البشرية
تنشأ الدول بطرق متنوعة، إلا ان واحدة ظهرت إلى الوجود بعد كارثة طبيعية تمثلت في إعصار مدمر، على أنقاضه تأسست هذه الدولة!
الحديث يدور حول ما كان يعرف باسم باكستان الشرقية، والتي غيرت يوم الحادي عشر من يناير عام 1972، اسمها وأصبحت تدعى بنغلاديش، وتعني ” بلد البنغاليين”.
بنغلاديش الحالية دولة فقيرة بمساحة صغيرة تقع شرق الهند، يقطنها أكثر من 164 مليون نسمة، وكانت تعرف باسم باكستان الشرقية، وهي الإقليم الشرقي لدولة باكستان بعد انفصالها عن الهند في عام 1947.
في أحد الأيام، تعرضت هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية إلى كارثة مروعة، مر بها إعصار مدمر يدعى بولا. كان أعنف إعصار استوائي، وإحدى أكثر الكوارث الطبيعية تدميرا في تاريخ البشرية الحديث.
وقعت هذه الكارثة الطبيعية الرهيبة في نوفمبر 1970، ووصلت أخبار الكارثة الوشيكة في خليج البنغال إلى مسامع السكان بعد فوات الأوان، قبل ساعات قليلة فقط من وصول إعصار بولا. قلة من البنغاليين أخذوا التهديد على محمل الجد وسارعوا إلى لاختباء خلف جدران بيوتهم الحجرية أو غادروا إلى مناطق آمنة. أولئك الذين كانوا على الشاطئ وفي الأراضي المنخفضة كانوا في غفلة تامة.
في مساء يوم 12 نوفمبر، في محطة أرصاد جوية بالقرب من مدينة “شيتاغونغ”، أهم ميناء بحري في البلاد، أظهر جهاز قياس الريح سرعة تبلغ 144 كم/ساعة، قبل أن يتحطم وتقتلعه العاصفة. بعد ذلك بوقت قصير، سجلت محطة طقس أخرى مثبتة على إحدى السفن في ميناء “شيتاغونغ” سرعة رياح تبلغ 222 كم/ساعة.
لسوء الحظ الكبير لسكان المنطقة أن إعصار بولا تزامن مع ارتفاع المد، ما زاد من قوته التدميرية. وظهرت عند مصب الغانج، نهر الهند العظيم، موجة مد ضخمة بارتفاع 10 أمتار، وبدأت تجرف كل شيء في طريقها.
كانت خسائر البنغاليين هائلة، حيث تضرر 4.7 مليون شخص من الإعصار، ودُمر 400 ألف منزل و3500 مدرسة و9 آلاف مركب شراعي للصيد البحري و90 ألف قارب نهري، فيما لقي الكثير من الصيادين حتفهم، وبلغ العدد 46 ألف شخص، وهو ما يمثل أكثر من نصف عدد الصيادين الإجمالي في البلاد. أما من نجا من السكان فقد أصيب بصدمة شديدة، وحاق به خطر المجاعة، لأن الغذاء الرئيس للسكان المحليين يتمثل في الأسماك.
علاوة على ذلك، أصيب قطاع الزراعة بأضرار فادحة، ونفق أكثر من 280 ألف رأس من الماشية و500 ألف من الدواجن، وجُرف محصول الأرز تماما، وتسرب ملح البحر إلى جميع آبار الساحل، ما حرم الناجين من المياه الصالحة للشرب.
هذه الكارثة الطبيعية الرهيبة أودت بحياة ما يصل إلى 500000 شخص، ما جعل من هذا الإعصار المداري الأكثر دموية في تاريخ البشرية الحديث، فيما لا يزال العدد الدقيق للوفيات مجهولا.
للمقارنة، قتل إعصار “كاترينا” الأشد تدميرا في تاريخ الولايات المتحدة 1836 شخصا ، أي أقل بـ 270 مرة مما حصل في البنغال.
وبالعودة إلى الوراء، عقب استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية في عام 1947 ، جرى تقسيم منطقة البنغال على أسس دينية، وتم التنازل عن الجزء الغربي من البنغال للهند، مقابل ضم الجزء الشرقي إلى باكستان، وأصبح يعرف باسم باكستان الشرقية.
كانت باكستان الشرقية هي الأكثر تضررا من إعصار بولا، إلا أن الحكومة المركزية في إسلام أباد فشلت تماما في التعامل مع الكارثة الطبيعية. أخطأت السلطات في تقدير حجم الدمار والأضرار التي تسببها الطبيعة، ولم تسارع حكومة باكستان إلى مساعدة المنطقة المتضررة.
سكان المنطقة كانوا يعارضون منذ فترة طويلة السلطة المركزية في إسلام أباد. التي بدأت في تخصيص الأموال لأعمال الإنقاذ فقط في اليوم الـ 11 بعد الكارثة، ولم تكن في حجم المأساة.
أعمال الإنقاذ ذاتها تواصلت لعدة أشهر، وتُرك سكان المنطقة المنكوبة بلا مأوى يقاسون الجوع والآفات، ولا يقف معهم إلا متطوعون قدموا من عدة دول.
زاد هذا الأمر من استياء السكان ونقمتهم على الحكومة المركزية في إسلام أباد، وتسارعت الاحداث بتغيير الحكومة المحلية، وتصاعدت الأزمة إلى حرب البنغاليين مع باكستان.
استمرت حرب الاستقلال الدموية تسعة أشهر. وانتهت بانفصال المنطقة عن باكستان في 16 ديسمبر 1971، ويعتبر هذا اليوم تاريخ تأسيس بنغلاديش، الدولة التي تشكلت بتداعيات إعصار رهيب.
المصدر: RT