لوحات قادمة من عمق الحضارة
ترجمة: فاطمة الخملوشي
قاعة “ماسارد” للفنون الجميلة، تدعو الجمهور إلى معرض الفنان العراقي السويسري فائق العبودي، المقيم في سويسرا منذ عام 1999.
تعود بنا لوحات الفنان التشكيلي فائق العبودي بالزمن إلى الوراء، وتعيدنا إلى مهد حضارة بلاد ما بين النهرين، والحضارة السومريَّة، إلى جانب الفن البابلي، إذ تستحضر لوحاته عالماً قديماً منسيَّاً، لكنّه أساسي في الوقت ذاته، لأنّه يمثل بداية الكتابة، التي يرجع تاريخها إلى عام 3300 قبل الميلاد.
إنَّه رسام متمرّس، تربطه علاقة حميمة بأصوله، ويبدو ذلك واضحاً في عمق جميع أعماله. يقول العبودي: “أنا فنان من المشرق، من أرض الشمس والنور والألوان. العراق بلدي، وهو حكاية أجدادي، ومهد الحضارات، وموطن قصص حكايات ألف ليلة وليلة”.
هكذا يُعرّف الفنان، نفسه، والذي وجد في مرتفعات لوزان بلداً حاضناً منذ أكثر من عشرين عامًا.
ولم ينحرف عمله عن جذوره التاريخيّة أبدًا. حتى عندما كان طفلاً، كان معجباً بالتماثيل الطينيّة والحجريّة التي تزيّن المتحف العراقي. ظلت هذه التماثيل مصدر إلهام كبير في جميع أعماله. بعد دراسة الفن والتصميم والتصوير والخط العربي، اتّجه نحو الرسم وهو كما يقول “تبعث فيه رائحة الألوان البهجة، فتسحره، بينما هو يبحث دائمًا عن خامات جديدة لأعماله، كالقماش، والسجاد، والورق، والخشب”.
وقد كشف الفنان فائق العبودي عن جزءٍ صغيرٍ من أعماله الإبداعيَّة. “أحب بشكل خاص العمل على الخامات الخشبيَّة، لأنَّها مطاوعة، وتتوافق مع العديد من التقنيات، وتجسد السنوات الطويلة التي قضتها الشجرة لتصبح مهيبة. أشعر وكأنّه يتم إنقاذها من الموت من خلال إعطائها حياة ثانية، بحيث أغرس بها جزءاً من روحي، وهذا يعطي معنى ملموساً وترسيخاً تاريخياً لرسوماتي. إنّني شخص قلق نوعا ما بطبعي ومحب للاستطلاع بشكل كبير، مما يدفعني باستمرار للبحث عن مواد وتقنيات جديدة للرسم واكتشافها وتجربتها. تقنياتي الخاصة بالعمل، جعلت أعمالي فريدة وذات طابع خاص”.
داخل إطار اللوحات المُعتّقة، أقوم بوضع العديد من طبقات الطلاء الواحدة فوق الأخرى. تكون ألوان اللوحة تارة ساطعة وجريئة، وتارة قاتمة وعادة ما أقسم السطح إلى عدة أجزاء، أقوم بعدها بإدخال رموز مجرّدة عليها. يمكن أن تكون هذه الرموز علامات بدائيّة من لغات منسيّة، يتم تنقيحها وتصميمها بطريقة هيروغليفيّة، كما يضيف: لا توجد رسالة دينيَّة في أعمالي.
ربما فيها جو روحاني وهو انعكاسٌ للحالة التي أعيشها قبل الرسم، والتي تقترب كثيراً من حالة التصوّف، ما يهمني أن يتم العمل، وأن يكون مرضياً بالنسبة إليَّ أولاً، ليكون قادرًا على إنشاء الجسور، وربط العوالم القديمة بعالم اليوم من خلال الرموز المتأصلة في هويتي، هذا ما أود أن أنقله إلى كل من ينظر إلى لوحاتي ليجد على سطحها دعوة للسفر إلى الماضي، إلى الحضارات القديمة، إلى الأجداد السومريين والبابليين، دعوة هي في أصلها دعوة للاكتشاف الجميل.