دي ليسبس.. بين قناتي السويس وبنما!
انتقلت ملكية شركة قناة بنما في 23 أبريل 1904 من فرنسا إلى الولايات المتحدة في خاتمة تنافس بين واشنطن وباريس ولندن.
في تلك المناسبة عام 1904 تم بيع ممتلكات الشركة الفرنسية القائمة بأعمال حفر القناة إلى الحكومة الأمريكية مقابل 40 مليون دولار.
تمهيدا لهذا الحدث، ولدت دولة جديدة حينها هي بنما. بدأ تمرد في كولومبيا في 3 نوفمبر 1903 تمخض عنه تأسيس بنما، التي سارعت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالدويلة الجديدة في 6 نوفمبر 1903.
وضعت الولايات المتحدة بنما تحت حمايتها، مشددة على عدم جواز تواجد قوات أجنبية على أراضي هذا البلد الجديد.
بذلك انتقل مشروع بناء القناة من الفرنسيين الذين كانوا أسسوا منذ عام 1894 شركة لبناء قناة بنما برئاسة المهندس والدبلوماسي الفرنسي، فرديناند دي ليسبس، باني قناة السويس، إلا أن الشركة أفلست، فقامت باريس بتأسيس شركة أخرى إلا أن التنافس انتهى لصالح الولايات المتحدة.
وقعت بنما اتفاقية مع الولايات المتحدة لمواصلة بناء القناة في 18 نوفمبر 1903، تناولت بموجبها بنما للولايات المتحدة عن الولاية القضائية الكاملة للقناة نفسها والأراضي على طول طريقها بعرض حوالي 16 كيلومترا.
بالمقابل، دفعت الولايات المتحدة إلى بنما 10 ملايين دولار في وقت واحد، كما تعهدت بدفع إيجار لاستخدام الأراضي التي تلقتها بقيمة 250 ألف دولار سنويا. هذا المبلغ ارتفع بعد ذلك عدة مرات ليصل في عام 1998إلى 110 ملايين دولار.
الولايات المتحدة بدأت على الفور في أعمال حفر القناة، وسرعان ما استلمت وزارة الحرب الأمريكية المشروع من المدنيين، واستمرت الأعمال لأكثر من عشر سنوات، وبلغت تكاليفها أكثر من 400 مليون دولار.
البواخر المحيطية الأولى بدأت في المرور من القناة في 15 أغسطس 1914، إلا أن الافتتاح الرسمي جرى في 12 يوليو 1920، وعقب ذلك دخلت القناة الخدمة الفعلية.
هذا المشروع الضخم شارك فيه ما يقرب من 70 ألف عامل، توفي منهم ما لا يقل عن 5600 لأسباب متنوعة، في حين استمر توسيع وتعزيز الممر المائي حتى عام 1999.
تعد قناة بنما من أبرز المشاريع للرابط بين المحيطين الهادئ والأطلسي. محاولات حفر القناة بدأت مع الإسبان في عام 1881 ثم الفرنسيين وانتهت إلى يد الأمريكيين مطلع القرن العشرين.
توصف قناة بنما بأنها معجزة هندسية، تتكون من نظام معقد من البوابات والسدود. تمتلئ بالماء بالتناوب، فيما تتحرك السفن على طول القناة بمساعدة قاطرات كهربائية خاصة. ويعتمد حاليا ما لا يقل عن 5 إلى 7 ٪ من إجمالي التجارة العالمية على هذا الممر المائي الهام.
في التفاصيل، تم منذ عام 1904 استخراج حوالي 240 مليون متر مكعب من التربة أثناء حفر القناة، وقبل ذلك، تمت إزالة 30 مليون متر مكعب أخرى من التربة خلال فترة البناء الفرنسية.
الطول الإجمالي للقناة يبلغ 81.6 كيلومترا، بما في ذلك 65.2 كيلومترا على الأرض و16.4 كيلومترا في قاع الخلجان البحرية، فيما يتراوح عرض القناة بين 150-305 متر، والحد الأدنى للعمق 12.5 متر.
ببناء قناة بنما، لم تعد السفن مضطرة إلى المرور بمضيق ماجلان أو الإبحار حول كيب هورن، في طرف أمريكا الجنوبية، وهي غيرت اتجاهات عدد من الطرق البحرية المهمة، وقللت بشكل كبير المسافة بين موانئ السواحل الغربية والشرقية للولايات المتحدة وكندا، وبين الساحل الشرقي للولايات المتحدة والشرق الأقصى، وكذلك بين دول أمريكا اللاتينية.
بنما كانت طالبت مرارا الولايات المتحدة بمراجعة معاهدة عام 1903. وبعد سنوات عديدة من المفاوضات، تم في عام 1977 التوقيع على معاهدتي “قناة بنما” و”الحياد الدائم لقناة بنما وإدارتها”، وبموجبها، أصبحت القناة تحت سيادة بنما في 1 أكتوبر 1979، إلا أن هذا الأمر تأخر تنفيذه رسميا إلى 1 يناير 2000.
بهدف تطوير القناة وجعلها مناسبة لمرور السفن الحديثة، تقرر في عام 2007 إعادة بناء هذا الممر المائي.. التكلفة التقريبية لإعادة الإعمار قدرت في البداية بمبلغ 5.25 مليار دولار مع الانتهاء في عام 2014.
مشاكل عديدة تعرض لها مشروع التطوير مع حدوث نزاع مالي لم تتم تسويته حتى الآن، إلا أن قناة بنما أعيد افتتاحها امام الملاحة في 26 يونيو 2016.
بعد إعادة البناء، تضاعفت قدرة استيعاب هذا الممر المائي من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي، من 300 إلى 600 مليون طن سنويا.
في الوقت الحالي، تقدم قناة بنما خدماتها إلى 144 طريقا بحريا، تربط 160 دولة وحوالي 1700 ميناء في العالم.
البلدان العشرة الأولى المستفيدة من تدفق البضائع هي، الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتشيلي وبيرو واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وكولومبيا والإكوادور وكندا.
المصدر: RT