صفحات من “حروب الموز” الأمريكية!
قبل أن ترسل الولايات المتحدة قواتها إلى فيتنام وتتورط في حرب وحشية استمرت عقدين من الزمن، نفذت سلسلة من الغزوات والتدخلات فيما يعرف بـ “حروب الموز” في أمريكا الوسطى والكاريبي.
من بين “حروب الموز” واحدة جرت في مثل هذا اليوم قبل 107 أعوام، حين أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى جمهورية الدومينيكان تحت ذريعة حماية هذا البلد من عدوان ألماني، والحاجة إلى إقامة نظام تشريعي هناك!
وكما يحدث دائما استغلت واشنطن أزمة داخلية لتضرب بمطرقتها الثقيلة وتفرض الوضع المناسب لها بالحديد والنار.
رئيس جمهورية الدومينيكان، رامون كاسيريس كان اغتيل في 9 يوليو عام 1911، وعم الاستياء الدومينيكان بعد أن أصبح إلاديو فيكتوريا رئيسا بدعم من القوات الحكومية.
الولايات المتحدة أرسلت في عام 1912 بعثة دبلوماسية إلى الجزيرة لحل النزاع. بمحصلة المفاوضات، قام القادة السياسيون والمؤتمر الوطني، بعد استقالة إلاديو فيكتوريا، بتعيين رئيس الأساقفة أدولفو أليخاندرو نويل إي بوباديلا رئيسا، إلا أنه لم يستطع التعامل مع الصراعات السياسية الداخلية واستقال في عام 1913.
طرحت الولايات المتحدة في عام 1914 “خطة ويلسون”، التي سمحت باستخدام القوة في جمهورية الدومينيكان وهايتي. بعد ذلك، أقامت واشنطن حكومة مؤقتة في جمهورية الدومينيكان تولت مراقبة انتخابات رئاسية نظمت في أكتوبر 1914، وجرى انتخاب خوان إيسيدرو جيمينيس بيريرا رئيسا للدومينيكان.
اندلعت انتفاضة مناهضة للولايات المتحدة في جمهورية الدومينيكان في عام 1916، وحاول وزير الحرب في هذا البلد ديسيديريو أرياس الإطاحة بالرئيس جيمينيس.
انتهزت واشنطن الفرصة السانحة، وأرسلت قواتها إلى هناك، وكان ذلك الاحتلال الأمريكي الأول لجمهورية الدومينيكان، وأسفر القتال عن مقتل 290 من مشاة البحرية الأمريكية، في حين قتل من السكان 3000 من الهايتيين ومئات من الدومينيكان.
ألغيت جميع الحقوق الدستورية في الدومينيكان، وتركزت السلطة التشريعية والتنفيذية في أيدي الحكام العسكريين وأجبر خوان جيمينيس على الاستقالة، وانتخب المؤتمر الوطني فرانسيسكو هنريكيز كارفاخال رئيسا مؤقتا.
رغم ذلك، رفضت الولايات المتحدة الاعتراف به إلا بشروط من بينها توقيع اتفاقية جديدة تنص على أن يتم تحصيل الرسوم الجمركية تحت سيطرة الولايات المتحدة، وتعيين مستشار مالي وإنشاء قوات شرطة تحت قيادة ضباط أمريكيين. الرئيس هنريكيز كارفاخال رفض قبول تلك الشروط، لأنها تنتهك سيادة بلاده.
دفعت الولايات المتحدة جيش الدومينيكان إلى التدخل، فسيطر على المدن الساحلية الرئيسة، وقامت واشنطن بفرض حكومة عسكرية بقيادة الأدميرال هاري شيبرد كناب.
حلال فترة الاحتلال الأمريكي الأول الذي تواصل حتى 27 ديسمبر 1924، تم تأسيس الحرس الوطني، وألغيت في جمهورية الدومينيكان جميع الحقوق الدستورية، وتركزت السلطة التشريعية والتنفيذية في أيدي الحكام العسكريين، فيما استولى العسكريون الأمريكيون على الأرض، واقاموا قواعدهم العسكرية وحامياتهم عليها، وعلاوة على كل ذلك، احتكر الأمريكيون التجارة في هذا البلد.
في المناطق التي حاول فيها السكان الاحتجاج على الغطرسة الأمريكية، لجأ الأمريكيون على الفور إلى القوة العسكرية، وسلطوا القوات المحلية ضد السكان ليتولوا قتل الفلاحين والنساء والأطفال في مناطق التمرد.
لم تنته الهيمنة الأمريكية الثقيلة على مقاليد الأمور في الدومينيكان في عام 1924، بل استمرت كما هو الحال في معظم دول تلك المنطقة التي تعدها الولايات المتحدة حديقتها الخلفية، فيما شهدت هذه البلاد أحلك فترة في تاريخها ثلاثينيات القرن الماضي تحت قبضة الدكتاتور رافائيل تروخيو الموالي للولايات المتحدة، الذي أوصلته واشنطن للسلطة وتغاضت عن وحشيته لأنه معاد للشيوعية.
المصدر: RT