الخارجية الإيرانية: آفاق جديدة للسياسة الخارجية
قال نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري، إن التطورات الدولية والإقليمية الهامة أتاحت الفرصة لرسم آفاق جديدة للسياسة الخارجية عبر مراجعة الفرص الناشئة عن النظام العالمي المتغير.
واعتبر باقري في مقال أنه “بينما كان الغرب يعيش حلم “نهاية التاريخ”، واجه العالم تدريجيا “بداية التاريخ”. لا شك أن النظام الدولي لم يعد أحادي القطب. ولكن ليس من الواضح لغاية الآن أبعاد وإحداثيات العالم متعدد الأقطاب”.
ولفت باقري إلى أن “العالم يتجه نحو إنشاء مؤسسات وقواعد جديدة، وهذه المرة، على عكس الماضي، يخرج العالم الجديد ليس من حرب بأدوات عسكرية صلبة، ولكن بشكل أساسي من أدوات ناعمة ومواجهات مدنية، وهذا بالضبط “كعب أخيل” الذي عرض نظام الهيمنة للخطر”.
وأوضح أن “المواجهة العسكرية بلورت تحالفا حول نظام الهيمنة وقد تم استخدامها كأداة لبناء الإجماع، لكن المواجهة بأدوات ناعمة مثل العقوبات تسببت في الانقسام والتشتت حول نظام الهيمنة، مضيفا أنه “نتيجة للتطورات على الساحة الدولية والتحولات في مراكز القوى، تحاول جميع الحكومات لعب دور أكبر في تشكيل التطورات واكتساب مكانة جديرة في الساحة الدولية الجديدة”.
ولفت إلى أن “الحكومة الحالية في إيران بدأت العمل بينما كانت هذه التطورات تشهد وتيرة أسرع مما كانت عليه في الماضي، والتي هي مستمرة بلا انقطاع”، مضيفا أنه “تم الانتهاء من عملية الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون خلال الحكومة الثالثة عشرة لإيران الحالية. في نفس الوقت الذي تم فيه تنفيذ هذه المبادرة، تم أيضا إدراج التعاون مع الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس” في أجندة السياسة الخارجية، من أجل توفير التنوع في الوصول إلى المرافق والأدوات الدولية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والنقدية والمالية. وبالتالي، من خلال كونها عضوا في أكبر الآليات السياسية والأمنية والاقتصادية ضد الأحادية، فإن إيران مصممة على لعب دور فعال ومهم في عملية تشكيل الهياكل والآليات متعددة الأطراف”.
وأشار أن “الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 40% من سكان العالم، لها 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، على الرغم من أن حجم التجارة في هذه المنظمة يصل إلى أكثر من 650 مليار دولار سنويا”، وأضاف أن “أحد الأسباب الرئيسية لانضمام الدول إلى هذه المنظمة المهمة هو مواجهة السياسات والإجراءات الأحادية للغرب، وخاصة الولايات المتحدة. وقد تركت هذه الإجراءات، ومنها العقوبات الأحادية الجانب، آثارا عالمية عميقة، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فقد عرضت أيضا نظام التجارة العالمي للخطر. ومع تصعيد العقوبات والإجراءات غير المسبوقة مثل تجميد أصول البنوك المركزية من دول مختلفة، وصل انعدام الثقة في الهيكل المالي الغربي إلى أعلى مستوى ممكن، ودفع دول العالم إلى اتخاذ إجراءات وقائية ومضادة”.
وتابع: “على عكس ما يتوقعه الغرب، بدأ مشروع العولمة “التدمير الذاتي”. في مثل هذه البيئة، يعد العمل المشترك المنسق وتوفير الاستجابات الجماعية للتحديات والتهديدات الجديدة على المستوى الإقليمي عملا منطقيا تماما”.
وأضاف أنه “في النظام العالمي الجديد، يمكن رؤية انتقال السلطة من الغرب إلى الشرق بشكل تدريجي وفي عملية ملحوظة. لقد فقدت أميركا وأوروبا القدرة على إدارة التطورات الدولية كما كانت في السابق. على الرغم من أن الغرب لا يزال لديه العديد من الأدوات للتأثير على الاتجاهات والتطورات الدولية، إلا أن دولا أخرى مثل الصين وروسيا وأعضاء بريكس والقوى الإقليمية، وخاصة في آسيا، تمكنت من الاستفادة من الفرص ولعب دور أكثر نشاطا على المسرح الدولي”.
وأوضح انه “تم النظر بجدية في التعاون طويل الأمد مع الصين منذ بداية الحكومة الثالثة عشرة في إيران، وأخيرا، بدأ التنفيذ الفعال والجاد للوثائق الاستراتيجية بينهما”.
واعتبر أن “روسيا ستلعب دورا مهما في التطورات الدولية المستقبلية، وعلاقات جمهورية إيران الإسلامية مع هذا البلد مؤسسية واستراتيجية وأضاف: الصراع بين روسيا وأوكرانيا هو أزمة لها آثار عالمية نأمل أن تنتهي في أقرب وقت ممكن مع انتهاء التدخلات الغربية. بغض النظر عن وقوع هذه الحرب، تعتبر روسيا من الدول التي لديها القدرة على خلق دور جديد في التطورات الدولية المستقبلية والنظام العالمي متعدد الأقطاب، وفي الحكومة الثالثة عشرة، تم إيلاء اهتمام خاص لتعميق التفاعلات مع هذا البلد”.
وتابع باقري أنه “في نفس الوقت الذي حدثت فيه هذه التطورات، حدثت تطورات عميقة على المستوى الإقليمي وأتيحت الفرصة للتفاعل والتعاون بين بلدان المنطقة منذ الماضي. تسعى الحكومة الثالثة عشرة، من خلال تبني استراتيجية الجوار بما يتماشى مع الأهداف الرئيسية للبلاد في المنطقة، إلى تعزيز العلاقات مع دول الجوار، وإحلال السلام والاستقرار، ومواجهة التطرف والتدخل الأجنبي، وقبل كل شيء مقاومة التجاوزات والغطرسة”.
وأضاف أنه “في إطار نهج الجوار، انتهت المفاوضات الطويلة والجادة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية بعد عدة سنوات، وبمشاركة الصين في إتمام التوفقات الثنائية واستئناف العلاقات السياسية بين البلدين. قدم هذا العمل الاستراتيجي الأساس لتطورات أخرى في المنطقة ولتحسين الوضع السياسي والإقليمي لكليهما”.
وأوضح باقري “أنه في نفس الوقت الذي تشهد فيه هذه التطورات، فإن “نظرية المقاومة” كاستراتيجية فعالة لتحقيق السلام والهدوء في المنطقة، والتي تتطلب التصدي لمؤامرات الكيان الصهيوني وأعماله العدائية، ستؤكد وتتابع بجدية من قبل الجمهورية الإسلامية”.
وأكد أنه “في مواجهة السياسة الأمريكية العدائية ضد الشعب الايراني، فإن نهج الجمهورية الإسلامية هو تعزيز القدرة الاقتصادية للبلاد من خلال اجهاض العقوبات والمواجهة القصوى لتداعياتها. يعد الحفاظ على البرنامج النووي السلمي وتطويره أحدى الأولويات الرئيسية للبلاد. في الوقت نفسه، تدعم جمهورية إيران الإسلامية الآلية الدبلوماسية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية وتعتبر عودة اميركا من المسار الخاطئ للماضي والوفاء على الأقل بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة كاختبار للتعويض عن الاضرار التي لحقت بالشعب الايراني. من الواضح والمؤكد جدًا أنه في الاتجاه العالمي المستقبلي والنظام الجديد القادم ، لن يتم الترحيب بالسلوك الأحادي والمهيمن للولايات المتحدة ، وإذا لم يتم تصحيحه ، فإن التنبؤ بمزيد من الافول لهذا البلد ليس بعيدًا عن الواقع”.
وختم باقري مقاله بالقول: “ننتهز هذه الفرصة لنؤكد أن جهاز السياسة الخارجية عازم على الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصالح والأمن الوطنيين ومنع الخلافات السياسية الداخلية من الدخول في السياسة الخارجية وقضايا العلاقات والدبلوماسية”.
المصدر: إرنا