آفة التسول في العراق.. محتاجون مكرهون وآخرون منظمون يتشاركون الوسائل والأسباب

آفة التسول في العراق.. محتاجون مكرهون وآخرون منظمون يتشاركون  الوسائل والأسباب

السابعة- ليندا المرقبي

قليلة هي الشوارع والمفارق التي تخلو من وجود المتسولين في العراق، تراهم مختلفون في الأعمار ومتحدون في الوسيلة..ألا وهي التسول. 

التسول ليست ظاهرة خاصة بالعراق، بل هي في دول مختلفة، لكن مايميزها في العراق تزايدها المضطرد وتنوع أساليبها، وتحولها إلى مهنة مرعية من أصحاب نفوذ يعملون في الخفاء وينظمون عمل المتسولين.

لا إحصائيات رسمية.. والوقع يشي بأرقام مفزعة

لم تسجل حتى الأن إحصائيات بعدد المتسولين، إلا أن من المؤكد أنهم يشكلون إعدادا لا يستهان بها، وحسب إحصاءات وزارة التخطيط للعام الماضي 2021 واطلعت عليها السابعة فإن نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر هي 40% من السكان أي أن تعدادهم يقدر بـ 12 مليون مواطن.

ويعزو بعض المختصين في علوم الإحصاء عدم وجود إحصائية بالتسول بسبب انتشار التسول المستمر يوميا، سواء بالليل أو النهار، وخاصة عند بدايات ساعات الفجر، لهذا لن تستطيع أي جهة حكومية أو غيرها وضع إحصائية لأعدادهم بدقة.

 

 

واقع الحال.. يخلق الأسباب

كثيرة هي الأسباب التي ساهمت في زيادة ظاهرة التسول بالمدن العراقية، منها الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين، ولا شك أن الفقر والبطالة من أهم الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى التسول، ويساهم التفكك الأسري في انتشار ظاهرة التسول خاصة بين الأطفال، لأن معاملة الطفل معاملةً سيئة وعدم تلبية متطلباته الأساسية تساهم بشكلٍ كبير في اللجوء إلى التسول لكسب النقود.

كما وتلعب العوامل النفسية دورًا كبيرًا في اللجوء إلى ظاهر التسول، ومن أهم تلك العوامل هي؛ الحرمان العاطفي، واضطرابات نمو الشخصية والإحباط.

أشكال التسول يجمعها “بداية الانحراف”

يأتي الاستعطاف ومد اليد للمارة طلباً للنقود في مقدمة الأشكال المطروقة والمعروفة عن التسول، وبعض المتسولين يصطنع عاهة ليزيد در العطف، لكن هناك منهم من يحاول ان يقدم خدمة رمزية عبر بيع أشياء بسيطة كالمناديل والعلكة، ومنهم من قد يحاول مسح زجاج سيارتك بطريقة تزيدها اتساخاً.

ويبقى الشكل الأخطر هو ذاك الذي يدخل فيه عنصر الأطفال، خصوصا الرضع في أحضان أمهاتهم المفترشات الأرصف، ولعلها لا تكون أمه ابتداء.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تطفو على السطح ظاهرة الاحتيال على المواطنين عبر “التسوّل الإلكتروني“. عبرإعلان يُنشر عبر مواقع التواصل يدعي صاحبها بأنه يمر بظروف اقتصادية صعبة أو لديه مريض أو غيرها، وفي هذا التسول الافتراضي هوية المُعلن الناشر تكون مجهولة، فلا يعرف أن كان يحتاج فعلا إلى المساعدة أم مجرد ادعاء. وما يميز هذه الطريقة الحديثة هو عدم احتياج المتسول إلى جهد عضلي أو الوقوف لساعات طويلة تحت اشعة الشمس لكسب الأموال، بل مجرد هاتف متصل بالأنترنت، وجهد بسيط لنسج قصة وهمية لنشرها وستصل لآلاف المستخدمين للشبكة العنكبوتية. 

الأطفال الضحية الأكبر

شهدت الفترة الأخيرة ازدياد عدد الأطفال المنتشرين، ومع بداية انطلاق العام الدراسي الجديد احتضنت العديد من الشوارع الرئيسية والتقاطعات، أطفالا من مختلف الأعمار اتخذوا من التسول مهنة للكسب المادي.

مختصون عزوا ارتفاع نسب تسول الاطفال الى ضعف القوانين المعنية بحماية الطفل، وارتفاع نسب الفقر، فضلا عن افتقار البلاد الى قانون الزامية التعليم للأطفال، الامر الذي تسبب بارتفاع نسب الامية.

وتشير المتابعات الأمنية أن معظم الأطفال المتسولين قد يكونوا منظمين من قبل جهات مسؤولة عنهم بما يعرف بالعصابات المنظمة.

وقال المدير عام الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية العراقية ببغداد، العميد غالب العطية، في لقاء صحفي سابق واطلعت عليع السابعة، أن المديرية سجلت حالات لعصابات تقوم بتأجير الأطفال في عمليات التسول، وهذه العصابات تعاقب وفق القانون بتهمة الاتجار بالبشر، وأن السجون اليوم امتلأت بتلك العصابات”.

وأشار إلى أن “مداخل ومخارج العاصمة بغداد، هي من أكثر الأماكن التي سجلت تواجد هذه العصابات، فضلا عن مناطق المزارات الدينية”.

ويعامل الاطفال المتسولون وفق القوانين الدارجة معاملة الاطفال المشردين، وذلك وفق المادة /24/ من قانون اصلاح الاحداث، ففي حال القاء القبض عليهم يتم ايداعهم في المؤسسات الخاصة بالمشردين التابعة لوزارة العمل بقرار من القاضي، وفي حال وجود عائلته فانها ملزمة بدفع غرامة استلام المتسول، وحال تكرار ذلك يحجز الاب ويغرم مبلغا من المال، فاذا استمرت ممارسته التسول تسحب الوصاية من الاب ويودع في مؤسسات الدولة.

مهنة تجارية تقف خلفها أحزاب ومافيات

يرى البعض أن ظاهرة التسول لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، بعد أن أظهرت أبعاداً أخرى مثل الاتجار بالبشر والمخدرات، ومن الممكن استخدامهم من قبل استخبارات دولية لتدمير صورة المجتمع، ولم تعد هذه الظاهرة حكراً على العراقيين بل شملت الأجانب الوافدين من جنسيات مختلفة.

وناشد قائد شرطة بغداد اللواء عدنان حمود في حوار متلفز منذ أيام، وتابعته السابعة، الوزارات الى سحب المتسولين والمشردين من الشوارع، ووصفهم بأنهم عبارة عن قنابل موقوتة، وفاقدون للاهلية لذلك هم عرضة لضعاف النفوس”.

دور القانون في الحد من التسول

يتضمن القانون العراقي عقوبات تتعلق بجرم التسول، والمادة /390/  نصت على أنه: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة أشهر، كل شخص أتم الثامنة عشر من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه أو كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة اذا تصنع المتسول الإصابة بجروح أو عاهة أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع لكسب احسان الجمهور أو كشف عن جرح أو عاهة أو غيرها  في الاستجداء“.

فيما يتعلق بالأطفال ممكن هم تحت السن القانوني، أوضحت المادة /390/ أنه إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره، فأنه تطبق بشأنه أحكام مسؤولية الاحداث في حال ارتكاب الجريمة”

ونصت المادة / 392/  على أنه “يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا أو باحدى هاتين العقوبتين، كل من اغرى شخصا لم يتم الثامنة عشرة من عمره على التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لاتزيد على ستة أشهر والغرامة التي لا تزيد على مئة دينار أو إحدى هاتين العقوبتين اذا كان الجاني وليا أو وصيا أو مكلفا برعاية أو ملاحظة ذلك الشخص“.

جهود وزارة الداخلية

لا تفتأ الجهات المسؤولة تحاول وضع حد لهذا الظاهرة المتنامية، وقال المتحدث باسم الداخلية اللواء خالد المحنا، في تصريح صحفي سابق وتابعته السابعة أن: “هناك مديرية متخصصة بظاهرة تسول الأطفال، وهي مديرية شرطة الاحداث والتي تتعامل مع الاحداث دون 18 سنة، وتقوم المديرية بإحالتهم ويبقى ملفهم رهن القضاء”.
 
ويشرح المحنا أهم التحديات التي تواجه القضاء حينها ومن أبرزها  عدم وجود بنى تحتية تكفي لإيواء أعداد كبيرة من المشردين او المتسولين،  لذلك عادة ما يتم اخلاء سبيلهم فيعودون للشارع.

وتستهدف مديرية الشرطة المجتمعية حالات محددة من التسول بالنسبة للاطفال، كحالة أن يكون ذوو المتسول من الميسورين او من متوسطي الدخل او لديهم مورد ثابت، فتقوم الشرطة بجلب العائلة واخذ تعهدات منها ومن ثم يتم متابعتها بشكل مستمر يصل احيانا الى سنة كاملة حتى يتم التأكد من أن الطفل ترك التسول وعاد الى المدرسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *