تنافس ميناء روتردام الهولندي.. مدينة أنتويرب البلجيكية بوابة تهريب المخدرات لأوروبا
أصبحت مدينة أنتويرب البلجيكية عاصمة الكوكايين في أوروبا، حيث لا ينافسها سوى ميناء روتردام الهولندي الذي يعد مورد المخدرات إلى أوروبا، وفق تقرير لصحيفة “تايمز” البريطانية.
وقالت الصحيفة في تقريرها: “في مبنى جمركي في ميناء الحاويات العملاق على مشارف أنتويرب، تدرس فلورنس أنجيليتشي، من الخدمات المالية الفيدرالية البلجيكية، صور الأشعة السينية على جهاز كمبيوتر محمول تشهد على براعة مهربي المخدرات الحديث”.
وتقول الموظفة في الخدمات المالية الجمركية في الميناء، فلورنس أنجيليتشي، إن طرق تهريب المخدرات عبر الميناء إلى بقية أنحاء أوروبا، بما فيها بريطانيا، أمست أكثرا تطورا وإبداعا مع مرور الوقت.
وتوضح: “يمكن تهريب المخدرات القادمة من أميركا اللاتينية عبر حشوها في الفواكه مثل الأناناس والموز وطعام الكلاب أو مزجها مع ألواح الخشب الصلب أو نقعها في شحنات ملابس قبل استخلاصها مرة أخرى، وقد يصل الأمر إلى تهريبها من خلال وضعها داخل الدعامات الحديدية للحاويات نفسها”.
وصرحت أنجيليتشي أن “الكميات المصادرة تزداد باستمرار كل عام.. فأوروبا أكثر جذبا لعصابات تهريب المخدرات لأن السعر الذي يمكنهم البيع به هنا أعلى منه في الولايات المتحدة”.
وأشارت إلى أنه يتم فحص الحاويات على بناء على عدة عوامل منها مصدر الشحنات ونوعها والشركات التي صدرتها، وذلك لتقييم أي الشحنات تحتوي على مخاطر عالية.
وكشفت الصحيفة أن طريق تلك المخدرات يكون عبر هولندا حيث يجري إرسال حوالي 80 في المائة من المخدرات للتوزيع في جميع أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة.
هذا، وأعلنت الوكالة الأوروبية للتعاون في مجال إنفاذ القانون التابعة للاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، نجاح عملية Desert Light، التي شهدت اعتقال 49 شخصا في دبي وهولندا وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا يشتبه في انتمائهم إلى “عصابة سوبر” مسؤولة عن تهريب ثلث الكوكايين في أوروبا.
ووُصف ستة من المعتقلين في دبي بأنهم “أهداف عالية القيمة”.
وقد جرى تنفيذ مداهمات منسقة في جميع أنحاء أوروبا والإمارات العربية المتحدة في الفترة من 8 إلى 19 نوفمبر، واستهدفت مركز القيادة والسيطرة والبنية التحتية اللوجستية لتهريب المخدرات في أوروبا.
كما تم ضبط ما يقرب من 90 طنا من المخدرات في أنتويرب خلال العام 2011، ومن المتوقع أن تصل الكمية هذا العام إلى 100 طن، مقارنة مقارنة بـ 73 طنا تمت مصادرتها في ميناء روتردام في بحر الشمال.
ويشكل الميناءان معا نقطة الدخول الرئيسية للكوكايين إلى أوروبا، والذي ينشأ معظمه في كولومبيا وغالبا ما يتم شحنه عبر بنما أو الإكوادور أو باراغواي.
وبحسب خبراء، فإن الكميات التي يجرى ضبطها في أنتويرب كبيرة جدا لدرجة أن المحارق المستخدمة لتدمير المخدرات لا تستطيع مواكبة ذلك، مما أدى إلى وجود “جبال من كوكايين” مكدسة في مستودعات آمنة، وتساوي مئات الملايين من الدولارات.
وعلى الرغم من النجاحات الباهرة في ضبط كميات كبيرة من المخدرات، فإن الخبراء يعتقدون أنه يجري اكتشاف 10 في المائة فقط من المخدرات التي تدخل إلى أوروبا كل عام.
والدليل على ذلك، بحسب كلامهم، أن ضبط تلك الكميات الكبيرة لا يؤثر على سعر الكوكايين في الشوارع، والذي ظل مستقرا بشكل مدهش.
وفي السنوات الأخيرة، تم أيضا تشديد الإجراءات الأمنية في الميناء، الذي يمتد على مساحة شاسعة على جانبي نهر شيلدت.
ومن المقرر تركيب المزيد من أجهزة الأشعة السينية، وذلك في الوقت الذي تدرس فيه السلطات استخدام “أنوف إلكترونية”، وهي تقنية قادرة على التقاط روائح كميات صغيرة الكوكايين داخل الحاويات.
وذكرت الصحيفة أنه وفي هذه الأثناء، يحاول المهربون بشكل متزايد تجنيد أشخاص من الداخل الميناء، لاسيما الموظفين الذين يمكنهم الوصول إلى أنظمة الكمبيوتر التي تتابع مسارات الشحنات.
ويقول المدير العام لمنظمة “إلفا بورت”، ستيفان فانفراشيم، وهي منظمة تمثل 360 شركة خاصة تعمل في الميناء: “هؤلاء الموظفون المستهدفون إما لديهم معلومات حيوية أو يمكنهم نقل أشياء مادية بسهولة عبر الميناء مثل المخدرات”.
وأشار إلى أن أعضاء العصابة يقتربون من العمال الخارجين من وردياتهم في طريقهم إلى مواقف السيارات، أو قد يذهبون إلى الحانات حيث يقضون وقتا طويلا يستمعون خلاله إلى محادثات الموظفين على آمل اصطياد العاملين الذين يعانون من مشاكل مالية.
وتابع: “لا يأتون إليك بمسدس ويطلبون منك أن تفعل شيئا رغما عنك.. الأمر قد يبدأ بشكل سؤال مضمونه هل ترغب في كسب القليل من المال الإضافي؟، قبل أن يتم إغراء ذلك العامل أو الموظف بقدرته على جني 50 ألف يورو مقابل 30 ثانية من وقت عمله”.
ويضيف فانفراشيم: “ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد فبعد أن يتورط الموظف مع عصابات التهريب لا يستطيع التوقف عن التعاون معهم”.
ورغم حملات التوعية التي تقودها السلطات المختصة، فإن العصابات لا تزال قادرة على إغراء بعض الموظفين كما حدث مع أحدهم في الشهر الماضي، والذي أدخل برامج فيروسات ضارة لأجهزة الحواسيب مقابل 10 آلاف يورو، وذلك قبل اعتقاله مع عدد مسؤولي الجمارك والشرطة بتهمة التورط في تلك القضية.
من جانب آخر، أحصى ستفين دي وينتر، وهو موظف مصرفي يبلغ من العمر 47 عاما ويقطن في حي ديورن بمدينة أنتويرب، ثلاث موجات من العنف منذ العام 2017 تسببت فيها مافيات المخدرات.
وكان أحدثها في ربيع العام الجاري، حيث جرى استهداف منزل في مجمع سكني لأكثر من ليلتين بنوع من القذائف المتفجرة.
وحسب رواية دي وينتر، فإن الاستهداف الأخير جرى بينما كان مع بعض الجيران يحتفلون في حديقتهم بالقرب من المنزل المستهدف، والذي قال إنه بيت شخص متورط في تجارة المخدرات، وفقا لما ذكرت وكالة فرانس برس.
وفي غضون خمس سنوات، سجل المدعي العام المحلي 200 حادثة عنف تتعلق بالمخدرات وتهديدات وضرب وزرع عبوات ناسفة واستخدام قنابل يدوية.
وأوضحت وكالة الأنباء الفرنسية، أن الكثير من المال على المحك وراء هذه التجارة وهو ما يزيد من حدة المنافسة بين العصابات.
وتدافع شرطة أنتويرب عن جهودها، مشيرة إلى أنها قامت بالعشرات من الاعتقالات.
ويخشى الكثيرون في بلجيكا أن تتزايد وتيرة الإجرام في منطقة فلاندرز، الناطقة بالهولندية، بسبب تواجد عصابات “ماكرو مافيا”، المختصة بتهريب وبيع المخدرات.
المصدر: أ ف ب + صحيفة “تايمز” البريطانية