من هما بهنام وسارة اللذان يحيي المسيحيون ذكراهما كل عام في نينوى؟ (صور )
السابعة- نينوى
يحتفل المسيحيون كل عام بعيد “مار بهنام وأختهِ سارة” في دير مار بهنام الشهيد الذي يقع بناحية النمرود في محافظة نينوى.
بهنام وسارة هما قديسيين مسيحيين ذُكر أنهما عاشا في القرن الرابع في بلاد النهرين، وتقول قصتهم إنهما كانا أميرين ابناء سنحاريب، ملك آشور من زوجته الفارسية شيرين، وآمن بهنام وسارة مع أربعين من رفاقهم بالمسيحية.
ما قصة الفتى بهنام واخته ساره؟
كان الفتى بهنام بن سنحاريب حاكم ولاية أثور احدى ولايات الدولة الفارسية التي كان ملكها عصرئذ شابور 309- 379 يدين بالوثنية ويضطهد المسيحيين بشراسة وضراوة. وكانت مدينة نمرود عاصمة ولاية أثور موطن الوالي سنحاريب وأفراد عائلته، وكانت قريبة من مدينة نينوى عاصمة المملكة الأشورية سابقاً.
في غضون النصف الثاني من القرن الرابع حدث للفتى بهنام حدث غيَّر مجرى حياته. ذلك أنه خرج كعادته إلى الصيد يرافقه أربعون فارساً، ولم يعلم بأن اللّـه، جلَّ جلاله، هيّأ لاصطياده ورفقائه في شبكة الإنجيل المقدس. فقد أرسل تعالى ملاكه بشبه أيل كبير طارده الفتى بهنام ورفقاؤه إلى لحف جبل مقلوب، ثم توارى عن أبصارهم فجاء وقد غابت الشمس وخيَّم الظلام الدامس، فاضطروا الى المبيت حيث انتهوا بقرب عين ماء.
وفي منتصف الليل تراءى ملاك الرب في الحلم للفتى بهنام وأعلن له: «أن اللّـه قد اختاره ليكون أحد أصفيائه القديسين، وأمره بأن يتوغل الجبل صباحاً ويقصد القديس الناسك الشيخ متى المقيم في هذا الجبل، فعلى يده سيظهر اللّـه تعالى إرادته الإلهية حيث سيرشده ورفاقه إلى طريق الحياة كما أنه على يد مار متى سيُطِّهر اللّـه سارة أخت بهنام من برصها». وفي الصباح الباكر استيقظ بهنام قلقاً وقص على رفاقه وقائع رؤياه، فشجعوه على الامتثال لأوامر الملاك، وصعدوا معه الجبل حيث استقبلهم الشيخ مار متى ببشاشة، وأخبرهم أن اللّـه أنبأه عن مجيئهم وأمره ليبشرهم بإنجيل الفداء. وشرح لهم مار متى أصول الدين المسيحي فآمن الفتى بهنام وطلب إلى مار متى أن يرافقه إلى أثور ليصلي إلى أخته سارة التي كانت مصابة بمرض الجذام البرص، وقد أعيى داؤها نطس الأطباء. فرافقهم مار متى ومعه أحد تلاميذه ولما وصلوا ظاهر المدينة طلب إليه بهنام أن ينتظره هناك ريثما يأتي بأخته سارة تاركاً معه بعض جنده.
وأسرع الفتى بهنام يحمل البشارة إلى أمه كاشفاً لها سره وباسطاً أمامها دخيلة أمره، طالباً إليها أن تسمح له بأخذ أخته سارة إلى القديس الشيخ مار متى ليصلي عليها، فأذنت له والدته بذلك.
ولما التقت سارة مار متى جثت أمامه فصلى عليها وبشرها بالمسيح يسوع فآمنت. فضرب مار متى الأرض بعصاه وتفجرت عين ماء عمد فيها سارة فطهرت حالاً من برصها، ثم عمد الفتى بهنام ورفقاءه الأربعين.
وعاد مار متى إلى ديره ومنسكه في جبل مقلوب، وعاد الفتى بهنام وأخته سارة وصحبه الأربعون إلى المدينة وقد استناروا بنور المسيح.
وذاع خبر شفاء سارة في أرجاء الولاية، وابتهج سنحاريب إذ علم ذلك، ولكن فرحته انقلبت إلى حزن عميق لما علم أن ولديه قد تنصرا. فاستدعاهما وحاول اقناعهما بترك دين المسيح والعودة إلى المجوسية والسجود للنار والتبخير للأصنام، فلم يجده ذلك نفعاً، وذهبت جهوده هباء. فتوعدهما بالعذابات الأليمة أن يرتدا عن المسيحية، واذ تأكدا بأنه قد صمم على قتلهما رأى بهنام أن يلتقي معلمه مار متى لنيل بركته قبل استشهاده، لذلك غادرالمدينة خلسة هو واخته وصحبه الأربعون، فوُشى بهم الى سنحاريب. فاستشاط هذا غضباً وأمر جنده باللحاق بهم وقتلهم حيثما وجدوا فأدركوهم على بضعة كيلو مترات من مدينة نمرود، فنحروهم نحر الخراف الوديعة على قمة تل، وهم يصلون مقدمين ذواتهم قرباناً للـه. طالبين إلى الرب أن يصفح عن الوالي سنحاريب وسائر من كان سبباً في استشهادهم. وعاد الجند إلى سنحاريب وأخبروه بكل ما كان، فسرَّ في بادئ الأمر، وتقّسى قلبه فأمر بحرق أجساد الشهداء. ولما عاد الجند إليهم رأوا الأجساد تشع نوراً كالشمس، وقبل الشروع بحرقها تزلزلت الأرض وانشقت وبتلعت الأجساد الطاهرة وأخفتها عن الأبصار.
وعلى أثر ذلك أصاب سنحاريب مسّ من الجنون، فكان يهذي، ويتألم، ويولول، ويمزق ثيابه، ويضرب جسمه، ويسقط على الأرض مصروعاً وينادي ويلاه! أين بهنام؟ وأين سارة؟… فظهر ملاك الرب في الحلم إلى والدة مار بهنام وقال لها: «إن كنت ترغبين في شفاء زوجك فخذيه إلى حيث قتل الشهداء الأبرار». فلما استيقظت فعلت ما أمرها الملاك به وأخذت زوجها إلى الموضع الذي استشهد فيه ولداها بهنام وسارة، وباتا ليلتهما هناك. فظهر مار بهنام لأمه في الحلم وقال لها: «أرسلي وادعي القديس متى ليصلي على أبي فيشفى»، ففي الصباح لما استيقظت بعثت أناساً ليأتوا بمار متى، فلبّى مار متى الدعوة وجاء إلى حيث كان سنحاريب، وصلى عليه فنال سنحاريب الشفاء التام، ورجع إلى رشده وآمن بالرب يسوع واعتمد على يد مار متى هو وزوجته وعظماء ولايته.