مستشفى القائم “استهانت” به.. مواطن أنباري مصاب بالسرطان يناشد “مقهوراً” عبر (بغداد اليوم)
السابعة- الانبار
وجه مواطن من محافظة الانبار، اليوم الاثنين، مناشدة الى رئاسة الوزراء ووزارة الصحة بشأن حالته الصحية وهو مصاب بالسرطان، حيث تتطلب حالته الإخلاء الطبي الى خارج العراق، مؤكدا ان ادارة مستشفى القائم العام في المحافظة رفضت الاستجابة لكتاب رسمي من وزارة الصحة حول حالته الصحية.
وقال المواطن سعد محمد خلف الكربولي من سكنة قضاء القائم، في تسجيل صوتي خص به السابعة، إنه “بعد احالته من قبل وزير الصحة صالح الحسناوي الى اللجان الطبية، قام بجلب كتاب من وزارة الصحة/ مكتب الوزير، موجه الى مستشفى القائم وتحديدا الدكتور اسعد عليوي، يتضمن امر اخلاء طبي ومنحه تقريرا طبيا من احد الاطباء الاختصاص”، مبينا أنه “قام بالاتصال بالمعاون الاداري لمستشفى القائم صادق مجيد وابلغه بحاجته الى فحص رنين وسيأتي بكتاب رسمي له، ولكن حين قدوم الكتاب له ابلغه بعدم التعامل مع كتب وزارة الصحة الواردة الى مستشفى القائم”.
وتابع المواطن: “مستشفى القائم رفضت منحي الكتاب المطلوب للتقرير الطبي، فيما وصفه بأنه “كتاب شخابيط”، ثم قاموا بتوجيهه باستخراج الكتاب من مستشفى الرمادي ليتم الاتصال بمدير إعلام صحة الانبار انس العاني ليقوم بالمطالبة بكتاب من صحة القائم كي يتم تمشية التقرير له من الرمادي”، لافتا الى أن “ذلك حصل رغم كتاب الصحة معنون الى مستشفى القائم ولكنها رفضت التعامل معه “.
واوضح، أن “مستشفى القائم ابلغته بعدم وجود طبيب لكتابة التقرير الطبي ولا يمكن مخاطبة المستشفى لوزارة الصحة”، معتبرا ان “التعامل مع الحالة المرضية من قبل مستشفى القائم اصبح بشكل نفسي ومزاجي”، على حد تعبيره.
واضاف، أن “المسؤول في مستشفى القائم المدعو صادق مجيد قام بالتجاوز عليه شخصيا وقام بالقسم بعدم تنفيذ الكتاب”، مؤكدا أن “المستشفى لاتعمل بالضوابط وتمارس المنة على المراجعين كهذه الحالة”.
وتحدث المواطن، عن عزمه “إقامة دعوى قضائية ضد المستشفى لعدم قيامها بواجباتها الانسانية واعتماد الضوابط”، مشيرا الى أن “هناك شهود على الحادثة داخل المستشفى “.
وتابع المواطن الانباري: “انا ليس لي ذنب، بل مريض بحاجة الى استجابة حكومية وتقرير طبي من مستشفى حكومي في القائم”، مستدركا قوله “لكن مدير الادارة يتكلم بمزاجه مع اوراقي الرسمية التي قدمتها له وهي من وزارة الصحة في بغداد”.
ويعاني القطاع الصحي في العراق من مأساة حقيقية حيث بات رهن البيروقراطية والروتين القاتل الذي ازاح الانسانية من طريق التعامل مع المرضى على مدى السنوات الماضية.
وتعد الميزانية المالية لوزارة الصحة في العراق هي الأدنى مقارنةً بموارد الأجهزة الممولة حكومياً من الموازنة العامة، لكن صراعاً هائلاً يعصف بتلك الميزانية الضئيلة، التي لا تتجاوز في أفضل السنوات تخصيصاً، ثلاثة مليارات دولار. ذلك أنها مرتبطة بسوق ضخم وقطاع نامٍ، تتراوح قيمته ما بين 4 – 5 مليارات دولار سنوياً، وتنشط فيه جماعات سياسية نافذة، بالشراكة مع مافيات أدوية وتجار وفصائل مسلحة محلية وإقليمية، ما يشبه “كارتل فساد” عابر للحدود.
ولأن المشكلات الصحية تغزو سكان البلاد المرهقة، بينما هم يزدادون سنوياً بأعلى نسبة بشرية في المنطقة، فثمة نقص هائل في البنية الصحية مع ندرة في الكوادر المؤهلة للعمل في هذا القطاع الحيوي، في ظل توسع الإهمال في حقل الصحة العامة.
وتُقدر كلفة الرعاية الصحية للمواطن العراقي ما بين 154 إلى 161 دولاراً سنوياً، وفقاً لمؤشرات البنك الدولي، وترتفع في أفضل مستويات التفاؤل، النادرة والقياسية، إلى 239 دولاراً بحسب مؤشر the Global Economy. لكن التقارير المالية لوزارة الصحة تؤكد أن ما يُصرف فعلياً على المواطن سنوياً هو 166 ألف دينار فقط، أي أقل من 120 دولاراً، ما يجعل العراق الغني الأقل صرفاً على مواطنيه صحياً من بلدان مجاورة أكثر فقراً.
ويخصص العراق أقل من 4.5 في المئة سنوياً من موازناته المليارية الهائلة على القطاع الاستشفائي، يذهب نصفها كموازنة تشغيلية، فيما النصف الآخر يخصص لشراء أدوية لا تصل إلى مستحقيها، ودفع ديون شركات خاسرة تتحطم قيمتها السوقية بفعل معرقلات الفساد عبر تعطيل القدرات الإنتاجية، والغش التجاري والمنافسة غير المشروعة.
وغالباً، يتطبب العراقيون مرغمين في إيران وتركيا والهند وماليزيا والأردن ولبنان، وفئة قليلة تستطيع الوصول إلى أوروبا. والتقرير التخميني المُعد بناءً على التقارير الطبية المُصدّقة لدى وزارتي الخارجية والصحة، يؤكد أن “ما لا يقل عن 4 آلاف عراقي يغادرون شهرياً بغية العلاج”، للتدهور الشديد الحاصل في بنية الخدمة الصحية وردائتها، فضلاً عن نقص الأطباء والكوادر لندرة التوظيف بسبب شح التخصيصات المالية للصحة، وثبات الميزانية التشغيلية قبالة ارتفاع نسبة الضغط على المستشفيات.
ولا تتوفر على نحو دقيق إحصاءات عن الإنفاق العلاجي العام للعراق في الخارج، أو ما ينفقه العراقيون من مدخراتهم على “السياحة العلاجية”. لكن مثلاً، عولج أكثر من 14500 عراقي في الخارج في العام 2013، وخلال 2017 أنفق العراق نحو 200 مليون دولار على علاج جرحى من الجيش والشرطة و”الحشد الشعبي” في دول أخرى، وأنفق مبلغاً أكبر في العام 2016.
وبحسب أرقام وزارة الصحة الإيرانية لسنة 2017، كان 374 ألف عراقي هو معدل التطبب السنوي في البلاد. وفي العام 2018 مثلاً، أنفق العراقيون 500 مليون دولار في الهند وحدها التي منحت حوالي 50 ألف تأشيرة “سياحة علاجية” لعراقيين في العام نفسه، بحسب برنامج الإجلاء الطبي بوزارة الصحة، الذي ينقسم إلى 14 لجنةً تقرر تسفير المرضى. المسؤولون في البرنامج يرون أن “استقدام أطباء وكوادر علاجية إلى العراق، أقل كلفةً من إرسال مرضى عراقيين إلى الخارج”.
وبالنتيجة، النظام السياسي في العراق غير آبه بالحفاظ على صحة مواطنيه، ولا يسعى إلى تحسين الخدمة الصحية إلا لجهة الانتفاع والاستيلاء على مكاسب مالية واقتصادية. فالتطاحن على النفوذ داخل وزارة الصحة أدى إلى محارق مروّعة وأخطاء طبية جسيمة، وتحطم الجودة ونزع ثقة المواطن بمؤسساته الوطنية وشعوره أن الاستشفاء حكومياً هو العتبة المجانية إلى الموت، خصوصاً في ظل هجرة الخبرات والكفاءات، بل وحتى حديثي التخرج.
وسنوياً يدخل الخدمة نحو 1500 طبيب جديد، يسعى 25 في المئة منهم إلى وظائف خارج البلاد، بسبب مخاطر العمل في الداخل مع تزايد الاعتداءات، وعجز الدولة عن حماية الثروة البشرية الطبية. فيما يظل المواطن رهينة قوى الفساد القابضة، والتي تدير القطاع بعقلية الأملاك المنهوبة، وبقوة “البلطجة السياسية” والسلاح والمضاربة بالقيمة السوقية لقطاع الاستشفاء.