“كرماء النسب” يبدأون حياتهم في “القمامة”.. هذه رحلة الألم لأطفال “الزنا” في العراق
السابعة- تقرير: اخلاص قحطان
“أهلي يذبحوني”، هكذا بدأت م. ع 21 عاما، حديثها عندما سردت لنا قصتها التي انتهت برمي طفلها في الساعات الأولى بعد ولادته على رصيف مجاور لجامع قريب على منطقتها في بغداد.
تقول م.ع، “بدأت قصتي بالأعجاب بشاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي تمكن من السيطرة على افكاري من دون إدراك مني، ليحصل بعد مدة لا تتجاوز الـ 3 أشهر ما حصل، من علاقة غير شرعية، بذريعة انه بعد مدة قريبة سيتقدم لخطبتي من أهلي، لكن بعد مدة قليلة تأكدت أني أحمل طفل بداخلي وعند سماعه الخبر فورا قال لي “تخلصي منه”، وفي وقتها لم اجد من يساعدني ولا استطيع اخبار احد من أهلي سوى ابنة خالي التي اقترحت أن ابقى فترة الحمل في منزلها حتى الولادة، لأتمكن بعدها من رميه في الشارع!.
م.ع ليست الوحيدة التي تركت طفلها ع الرصيف، لكن هنالك العشرات منها تسببن في أن يولد طفل “لقيط” دون أم وأب، يستطيع حمايته من كلام المجتمع.
حيث يشهد العراق بين مدة وأخرى العثور على طفل “لقيط” مرمي بالقرب من حاوية نفايات، او بالقرب من مركز شرطة أو مستشفى، ليتم بعد ذلك تحويلة الى دار رعاية الأيتام أو الجهات المعنية بالموضوع.
هل يمتلك “اللقيط” هوية عراقية؟
“حالات رمي الأطفال في الشوارع والمستشفيات “اللقطاء”، حالات فردية وقليلة جداً، وهذه الحالات هي ليست ظاهرة او منتشرة بكثرة في العراق، بل هي حالات جدا قليلة ونادرة “، هذا ما تحدث به رئيس البيت العراقي للإبداع لرعاية أطفال الشوارع والايتام هشام الذهبي لـ السابعة.
وقال الذهبي إن “رعاية هؤلاء الأطفال من اختصاص وزارة العمل ومحافظة بغداد ودور الايتام، ويتم التعامل مع هكذا حالات من قبل الجهات الحكومية المختصة”، مشيراً الى أنه “في حال كان عمر الطفل اقل من سنة، فيتم إعطاء هذا الطفل تبني، وهذا الامر يتم عبر تقديم رسمي من قبل بعض العوائل وهناك عوائل تنتظر دورها لتبني بعض الأطفال، وبعدها يتم تسجيل هذا الطفل باسم العائلة التي تأخذه وفق إجراءات رسمية”.
وأضاف أن “الطفل إذا كان كبير في العمر، فيتم اعطاءه هوية “كرماء النسب”، وهذه الهوية لا تختلف عن هوياتنا ولا أحد يعرفها ولا أحد يفرقها عن الهويات الأخرى الا بعض ضباط وزارة الداخلية المسؤولين عن هذا الملف”.
أرقام “مقلقلة” تنذر بالخطر في المجتمع
عُثِر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري على 10 اطفال مرميين في مدينة كركوك، سُجلت ملفات اثنان منهم فقط في مراكز الشرطة.
حيث في الفترة من بداية شهر كانون الثاني 2022 لغاية نهاية شهر نيسان، رُمي 10 أطفال من قبل ذويهم وأقاربهم في الشوارع والمناطق المهجورة، أُعيد قسم منهم الى والديهم أو أحدهما في أقل من 24 ساعة.
وقال المتحدث باسم قيادة شرطة محافظة كركوك، المقدم عامر شواني، في تصريح صحفي تابعته السابعة، إن “هذا العام سُجلت عندنا قضيتان فقط تتعلقان برمي الأطفال”.
وأشار الى أن “القضية الأولى تعود لأواخر عام 2021 لكنها احتسبت ضمن احصائيات هذا العام وكانت تتعلق برمي طفلَتين رضيعَتين من قبل والدتهما”.
وأضاف أن “الرضيعتين يتم الاعتناء بهما منذ ذلك الحين في قسم التوليد بمستشفى آزادي، حيث لم يُعثر على ذويهما حتى الآن”.
وتابع أن “القضية الثانية المسجلة رسمياُ عند شرطة كركوك حدثت في شهر آذار من هذا العام، حيث عثر على طفل رضيع داخل كرتونة فارغة في شارع حي الحديديين الرئيسي بمدينة كركوك”.
ولفت الى أن “الطفل كان قد فارق الحياة لحظة العثور عليه”.
وتنص المادة 383 من قانون العقوبات العراقي على عقوبة الحبس لأي شخص يترك طفلاً في مكان خال من الناس بحيث يعرضه للخطر والجوع.
وأشار المتحدث باسم قيادة الشرطة الى أنه “كانت هناك العديد من حالات رمي الأطفال الرضع هذا العام، لكن تم التعامل معها من قبل الشرطة في وقت قصير وأعيدوا الى ذويهم، لذا لم تُسَجل تلك الحالات رسمياً عند الشرطة”.
وأوضحت مصادر أمنية أنه “في أواخر شهر نيسان الماضي، عُثر على طفلتين شقيقتين تبلغان من العمر أربع وخمس سنوات في حي العسكري بكركوك، لكن بعد المتابعة والتحقيق تم التوصل الى ذويهما وأُعيدتا إليهم”.
وأشارت الى أن “التحقيقات الأولية تأكدت أن الدافع وراء معظم تلك الحالات كان تردي الوضع الاقتصادي والمشاكل الاجتماعية داخل الأسرة وإنجاب أطفال خارج إطار الزواج”.
وفي الخامس والعشرين من أيار، تم العثور على جثة طفل حديث الولادة مرمية داخل كيس في مركبة النفايات ضمن منطقة الدورة جنوبي العاصمة بغداد.
أما في الأول من حزيران، تم العثور على طفل يبلغ من العمر “شهر” مرمي قرب مستشفى شرقي بغداد.
فيما تم العثور على طفل مرمي في مكب للنفايات في مدينة الموصل القديمة، في نهاية كانون الأول من العام الحالي.
وعند تقصي السابعة، عن أخر حالة لطفل “لقيط”، تبين عثور الشرطة، بتاريخ 12 كانون الثاني، على طفل رضيع في أحد شوارع منطقة حي الجهاد وسط مدينة الكوت.
“اللقطاء” خطر حقيقي على المجتمع
من جهته، قال الباحث الاجتماعي والنفسي فالح القريشي، للسابعة، إن “ظاهرة رمي الأطفال في الشوارع والمستشفيات بدأت تنتشر في المجتمع العراقي نتيجة تفكك النسيج الاجتماعي وتاثير “المراهقين” بمواقع التواصل الاجتماعي مع وجود الأفلام الإباحية والانفتاح على عادات المجتمع الغربي، وقلة الالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية والعشائرية”.
وأضاف أن “رمي الأطفال “اللقطاء” في الشوارع والمستشفيات، غالباً ما تتم للأطفال الذين يأتون بطرق غير شرعية وليس عن الطريق الزواج”، مؤكدا أنه “لهذا السبب يتم التخلص من هؤلاء الأطفال برميهم بالشوارع والمستشفيات، وقد يصل الامر في بعض الأحيان لرمي هؤلاء الأطفال في حاويات النفايات وهذه من أخطر الظواهر الدخيلة على العراق”.
وأشار القريشي الى أن “الطفل “اللقيط” يشكل خطر حقيقي على المجتمع العراقي، خصوصاً ان هذا الطفل عندما يكبر سوف يشعر بنقص كبير جداً، وستتشكل لديه عقدة دونية بالمستقبل، الامر الذي يجعله جاهزاً ومهيئا بالمستقبل بأن يكون إرهابيا او سارقا او مجرماً أو تاجر للمخدرات او متعاطي لها، او ربما يكون منتحراً بسبب نظرة المجتمع له”.
وأكد الباحث الاجتماعي أنه “هناك تقصير حكومي في مواجهة حالة رمي الأطفال “اللقطاء” في الشوارع والمستشفيات، ولهذا يجب الاهتمام بهذه القضية من قبل الجهات ذات الاختصاص، لما له الحالات من خطورة على المجتمع العراقي”.