سخط شعبي في العراق على الحكومة بسبب الغلاء وارتفاع الدولار
السابعة -متابعة
تشهد السوق العراقية ارتفاعاً قياسياً في مستويات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية عمّا كانت عليه قبل أقل من شهر، الأمر الذي نتج منه انخفاض كبير في القوة الشرائية.
وشكا مواطنون من أنّ موجة الغلاء الجديدة أثرت سلباً في أوضاعهم المعيشية، وباتت أسواق بيع الجُملة شبه خالية من المشترين، ما يراه تجار واقتصاديون مرتبطاً بارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية السوداء.
وارتفعت أسعار صرف الدولار في السوق العراقية إلى أكثر من 153 ألف دينار مقابل كلّ 100 دولار، في وقت يبيع فيه البنك المركزي الدولار الواحد بـ1460 ديناراً.
شكاوى المواطنين
بات كثير من المواطنين عاجزين عن تلبية متطلبات عائلاتهم بسبب الارتفاع المفاجئ في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في الأسواق المحلية العراقية. وأكد عدد من المواطنين تفاقم معاناتهم خلال الفترات الماضية، محمّلين الحكومة العراقية مسؤولية الغلاء المتواصل.
يقول المواطن، علي الشمري، إن ارتفاع الأسعار أثر بحياتهم اقتصادياً واجتماعياً، إذ إنّهم غير قادرين على شراء البضائع بهذه الأسعار القياسية. أما المواطن، عدي بشير، فأكد أن سعر كيس الطحين زنة 50 كيلوغراماً قفز إلى أكثر من 60 ألف دينار، فضلاً عن ارتفاع أسعار اللحوم والألبان والزيت والسكر، كما غلاء الأجهزة الكهربائية والمدافئ الشتوية.
بدوره، يرى المواطن سعيد محمد جبر، أنّ الحكومة تتجاهل مراقبة الأسعار ومحاسبة المضاربين وإحالتهم على القضاء، ولا تتجول لجان تفتيش في الأسواق من أجل الحد من تلاعب التجار في الأسعار.
فقدان للثقة
تزايد السخط لدى الشارع العراقي بسبب عدم إيفاء حكومة محمد شياع السوداني بما وعدت به من خلال برنامجها الحكومي وإعادة التوازن في سوق المالية. ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي، نبيل الشمري، أنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية سبّب السخط الشعبي على الحكومة، نتيجة عدم التزامها شعاراتها التي كانت قد أطلقتها، ومنها الحد من الفقر ومعالجة أزمة الدولار.
وأضاف الشمري أنّ المشاكل الاقتصادية التي ظهرت في بداية مشوار الحكومة الحالية تعكس الكثير من الشكوك وفقدان الثقة بقدرتها على تحقيق التزاماتها تجاه المواطن العراقي.
وأوضح أنّ ارتفاع أسعار الأسواق يرتبط بممارسات الاحتكار التجاري ومخاوف التجار من الإشاعات التي تتحدث عن ارتفاع آخر للدولار مقابل الدينار، ويعود ذلك لغياب الثقة بين المواطن والسلطة الحاكمة.
وأشار الشمري إلى أنّ ارتفاع أسعار المواد والسلع ناتج من التباطؤ الواضح بإجراءات الحوالات المالية الخارجية في أعقاب تغيير آليات البنك المركزي للحوالات التي هي ذاتها سببت ارتفاعاً هامشياً للدولار في الأسواق المحلية، إذ بلغ الارتفاع 2 بالمائة مقارنة بمعدلاته الطبيعية.
أزمة الدولار
كشف اتحاد الغرف التجارية في العراق أنّ التجار يواجهون مشاكل كبيرة بسبب إجراءات الحكومة وسياسة البنك المركزي النقدية المتحكمة بسعر العملة في السوق العراقية.
وقال نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية العراقية السابق، حسن الشيخ زيني، إنّ على البنك المركزي العراقي وضع آليات وحدود معقولة لصرف العملة الصعبة للتجار والصناعيين لتغطية نفقاتهم التجارية والحد من عمليات تهريب العملة عبر المصارف وشركات ومكاتب الصرافة التي تستحوذ على الكميات المطروحة في السوق.
وأوضح الشيخ زيني أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار أثر سلباً في المواطنين، لأنّ نسبة كبيرة من المواد الاستهلاكية والغذائية مستوردة من الخارج، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعارها إلى حد كبير يفوق قدرة المواطن الشرائية.
من جانبه، قال مستشار اتحاد الصناعات العراقية قطاع خاص، كرار القيسي، إنّ ارتفاع الأسعار ناتج من التأثير الدولي المتمثل بارتفاع أسعار النفط، فضلاً عن العامل الجيوعسكري الناتج من الحرب الدائرة بين أكبر الموردين للسلع الأساسية روسيا، أوكرانيا.
وأضاف القيسي أنّ هذه العوامل سببت ضغطاً مضاعفاً على الأسعار للدول المستوردة وفي مقدمتها العراق الذي يغيب فيه الإنتاج الوطني بسبب الفساد والبيروقراطية وسوء الإدارة.
وأشار إلى “تدهور أوضاع الأسواق، منذ قرار تغيير سعر الصرف عام 2020، وعلى الحكومة الآن مراجعة قراراتها والعمل على إنتاج سياسات استراتيجية وإجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة الراهنة”.
وكشف القيسي أنّ “القطاع الخاص مغيب عن المشهد الاقتصادي العراقي، بسبب عدم دعمه من قبل الدولة كي يصبح منتجاً ويردم الفجوة المتسعة بين العرض والطلب، ويقلل استنزاف النقد الأجنبي عبر فاتورة الواردات، وعلى الحكومة والبرلمان دعم القطاعين الصناعي والزراعي بالتمويل والتدريب والتطوير والقرار والتشريع كي يصبح منتجاً ذا جودة عالية، وبالتالي يدعم الاقتصاد وينوع من مصادر تمويل الخزينة العامة ويقوض من حجم البطالة المرتفع والفقر الذي بات مُدقعاً”.
أخطاء المنصة الإلكترونية
أكد البنك المركزي العراقي، في بيان، أنّ الارتفاع الذي يشهده سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية خلال الأيام الماضية يعود إلى بعض العوامل الفنية، منها بناء منصة إلكترونية حديثة لترفع المصارف من خلالها طلبات زبائنها لشراء الدولار.
وأوضح البنك مباشرته منذ أشهر ببناء تلك المنصة بالتنسيق مع الجهات الدولية لغرض إحكام وتنظيم عمليات نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية وتضمن فاعلية الرقابة عليها، من خلال تكليف شركة دولية متخصصة ببنائها وربط المصارف مع البنك المركزي من خلالها، وتتطلب المنصة تقديم معلومات عن الزبائن طالبي التحويل والجهات المستفيدة والمصارف المراسلة.
وكشف البنك أنّ هناك العديد من الأخطاء اكتشفت من خلال عمل المنصة، ما يتطلب من المصرف إعادة تحميلها، وتأخذ تلك الإجراءات زمناً إضافياً لقبول الطلب وتمريره عبر النظام المالي العالمي.
ولفت إلى أنّ العرض الحالي للعملة الأجنبية لا يرتبط بالموارد، بل بالإجراءات الإدارية والتدقيقية، ما سيحصل تجاوزها خلال الأيام القادمة، معلناً اتخاذ عدد من القرارات لتوسيع عرض النقد الأجنبي بهدف تلبية طلب السوق على الدولار النقدي، وتوجيه إدارة نافذة بيع العملة لتلبية طلبات المصارف للأيام القادمة بشكل أسرع.
من جانبها، أكدت الحكومة التزامها المحافظة على استقرار السوق المحلية، من خلال دعم استقرار سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي.
وجاء في بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء، أنّ الارتفاع الحالي في سعر صرف الدولار أمر مؤقت، وستُجرى المعالجات اللازمة، بخاصة أنّ الوضع المالي للعراق في أحسن أحواله.
وطالبت الحكومة جميع المتعاملين من مستثمرين وتجار، بضرورة التعاون مع المصارف الرسمية والبنك المركزي من خلال العمل وفق السياقات التجارية العالمية، والاستيراد بموجب الاعتمادات المستندية، لكونها توفر ضمانة للمستورد وتحفظ حقوقه وتؤمّن على السلع المستوردة، وتمكّنه للإفادة من التسهيلات المصرفية في تغطية قيمة الاعتماد.
المصدر: “العربي الجديد”