رحيل المستشرق الفرنسي اندريه ميكيل “مجنون ليلى”
ودعت الأوساط الثقافية الفرنسية والعربية والإسلامية أحد مفكريها المستشرقين الفرنسي “اندريه ميكيل” عن عمر 93 عاما ، الذي كرّس حياته لخدمة اللغة العربية وآدابها منذ أن قرأ الآيات القرآنية واكتشف فيها طاقة إيجابية ورمزية لا نظير لها.
بدأ شغفه بالعالم العربي عام 1946 على إثر رحلة قام بها إلى شمال إفريقيا التحق بعدها بمدرسة المعلمين في باريس و تخصص في اللغة والثقافة العربية.
وانتقل بين العديد من المدن العربية بيروت، دمشق والقاهرة، قدم خلالها الراحل مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات والترجمات منها كتابه “الجغرافيا البشرية للعالم الإسلامي حتى القرن الحادي عشر” بأجزائه الأربعة، كتاب “الليالي” تناول فيه قصّة الصداقة القوية التي جمعته مع المفكّر والكاتب الجزائري الكبير جمال الدين بن شيخ، وترجم إلى الفرنسية ألف ليل وليلة، كليلة ودمنة، ديوان مجنون ليلى، إضافة إلى دراساته حول الأدب العربي القديم و التاريخ و الجغرافيا العربية.
عمل في وزارة الخارجية كمستشار ثقافي لفرنسا في مصر، وشغل منصب مدير معهد لغات الهند والشرق وشمال أفريقيا وحضاراتها ثم انتخب استاذا لكرسي الأدب العربي في جامعة باريس “الكولج دي فرنس” عام 1975، ثم مديرا للمكتبة الوطنية في باريس.
وسبق لمعهد العالم العربي في باريس أن قام يتكريم الراحل “اندريه ميكيل” بمشاركة نخبة من الباحثين الفرنسيين والعرب 2018 من قبل كرسي المعهد الذي أغنت دراساته الرصينة وكتاباته الأصيلة الثقافة العربية، وساهمت في إثراء الحوار بين ضفتي المتوسط منذ نحو نصف قرن.
ويعتبر ميكيل آخر المفكرين الفرنسيين الأحياء الذي يكرمه “كرسي معهد العالم العربي الثقافي بعد رحلة 40 عاماً من النشر أنتجتْ أربعين مؤلَفا حول الإسلام وثقافتِه وله رواياتٌ وقصائد.. كما ألـَّف كتباً مهمة، منها قصصُ الحبِ في الأدبِ العربي.. الحبُ عند العرب وترجم ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغيرها من روائعِ الأدبِ العربي.
وسبق “للعربية ” أن أجرت حوارا معه حول تكريمه في معهد العالم العربي، وعبر حينها “عن امتنانه العميق لمبادرة المعهد تكريمه وهو في الـ90 من العمر، قائلاً: “بالنسبة لي هي مغامرة قديمة، أردت كسر الحواجز بين العالم العربي والغرب والتذكير بقوة وجمال الحرف والأدب العربي. هذا التكريم أفرحني جداً”.
وساهم ميكيل بالتعريف بالآداب العربية وقام بترجمة العديد منها لتغيير النظرة السلبية السائدة، بالإضافة إلى أبحاثه الأكاديمية. فقد كتب عن أدب العشق واهتم بشكل خاص بمجنون ليلى. ترجم أشعاره وحلل شخصيته كظاهرة، وقارنها بما يقابلها في الأدب الفرنسي.
لقد ساهم ميكيل بنشر الثقافة العربية القديمة وهو عاشق لها ولمجنون ليلى حتى أصبح طلابه يسمونه بعاشق ليلى. كما تحدث عن ميكيل طلابه وزملاؤه الذين رافقوه طوال السنوات الماضية ووصفوه بأنه من أكبر المختصين والمهتمين عالمياً بالأدب العربي، بل من أكبر المستشرقين في هذا الزمان.
عن رحيل ميكيل قال “للعربية ” رئيس معهد العالم العربي جاك لانغ: “رحل صاحب القلب الطيب والإنجاز الأدبي الكبير “اندريه ميكيل” مكتبة متنقلة أثرت الثقافتين العربية والفرنسية وترجمات مهمة للفرنسية من العربية ستبقى مرجعا مهما ليرقد بسلام.. نحن قمنا بتكريمه في المعهد وسنبقى مخلصين بتكريمه رغم رحيله الحزين”.
كما قال الأديب الجزائري، الطيب العروسي، مدير كرسي المعهد “للعربية” “لم نتردد لحظة واحدة عندما طرح اسم أندريه ميكيل. إنه آخر العمالقة المستعربين الكبار الذي أثرى بترجماته المكتبة العربية والفرنسية، وأصبحنا نحن طلابه في مراكز متقدمة في دولنا، واليوم يتركنا إلى مثواه الأخير تاركا لنا ثروة أدبية وفكرية كبيرة هي كنز أدبي وستكون مؤلفاته مرجعا مهما للباحثين في الثقافة العربية والإسلامية .