خبير: واشنطن تريد توريط برلين وطوكيو في أي مواجهة قادمة مع بكين
قال الباحث المصري، مصطفى السعيد، إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على مواجهة التحديات الدولية الجديدة، وتريد توريط ألمانيا واليابان في أي مواجهة قادمة مع الصين.
وأضاف الكاتب الصحفي والباحث المتخصص بالعلاقات الدولية، في تصريح لـ RT أن إعلان ألمانيا أنها خصصت مئة مليار يورو لتطوير قدراتها العسكرية، مع خطة لتصبح الجيش الأقوى في أوروبا، أثار الكثير من الجدل داخل ألمانيا وخارجها، ففي الداخل هناك مخاوف من تورط ألمانيا في حروب جديدة، بعد فترة من السلام، وتكريس الجهد في بناء اقتصاد قوي، أما في أوروبا فهناك انقسام بين الخوف من اتساع رقعة التوتر والحروب التي ستدمر أوروبا.
وأردف: في المقابل هناك متحمسون لعودة القوة الألمانية لكي تدافع عن أوروبا، وتقف بوجه الخطر الروسي.
أما إعلان اليابان عن ميزانية عسكرية بقيمة تتجاوز 50 مليار دولار هذا العام، إلى جانب تخصيص 318 مليارا للسنوات الخمس المقبلة، فقد أثار المخاوف من اتساع حدة التوتر في شرق آسيا، بما ينذر باقتراب حرب عالمية ثالثة.
وأشار السعيد إلى أن التساؤل الأهم يدور حول دوافع الولايات المتحدة لتبديل مواقفها إزاء “التسلح المفرط” لكل من ألمانيا واليابان، فقد كانت قواعدها منتشرة في البلدين، وهي لا تضمن أمنهما فقط، بل الأهم هو ضمان تبعية توجهات وسياسات البلدين، بوصفها الحامية لهما، والمتحملة عبء الدفاع عنهما، ومن يعود إلى الوراء ليرى موقف الولايات المتحدة وهي لا تكتفي باستسلام اليابان وألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وتصر على أن يتضمن دستورا البلدين عدم التسلح، فإنه يندهش من الضغط الأمريكي المتواصل على الدولتين القويتين اقتصاديا الآن، لكي تضاعف ميزانيات تسلحهما، وتوسيع أعداد قواتهما المسلحة.
ويكمن الجواب، بحسب الباحث مصطفى السعيد في أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل أعباء مواجهة كل من الصين وروسيا، وأدركت ذلك من سير العمليات العسكرية في أوكرانيا، التي جرى دعمها بأكثر من 100 مليار دولار، أي أكثر بمرتين من الموازنة العسكرية الروسية، إلى جانب الدعم اللوجيستي بالأقمار الصناعية وطائرات التجسس وغرف العمليات والمتطوعين والمدربين، لكنها مازالت عاجزة عن هزيمة روسيا، التي تتقدم رغم ما تقول إنها حرب بالوكالة تشارك فيها أكثر من 50 دولة من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. ولهذا، يضيف السعيد، كان عليها أن تدفع ألمانيا للمواجهة، وتضغط عليها لرفع ميزانيتها العسكرية، وهناك قطاع كبير من الألمان يرى أن الفرصة مواتية لكي تتخلص ألمانيا من الحماية العسكرية الأمريكية، ويكون لها الجيش الأقوى في أوروبا، وتمارس سيادتها الكاملة على أراضيها، وتتخفف من الضغوط الأمريكية في المستقبل، ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة السيطرة على القرار الألماني وكذلك الأوروبي عندما تكون ألمانيا قوية بجيشها، وإن كانت ستعتمد على شراء السلاح الأمريكي في البداية، إلى جانب تطوير أسلحتها الخاصة، فإن الأمر سرعان ما يتغير لصالح القوة الألمانية، لتستعيد استقلالها الكامل ومكانتها.
وحسب السعيد، فإن اليابان تشترك مع ألمانيا في تلك الرؤية، خاصة في قطاع الشباب الذين لم يشهدوا الحرب العالمية الثانية، ولا تفجير الولايات المتحدة لقنبلتين ذريتين فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، ويرغبون في رؤية تشكيل جيش ياباني قوي، يتمتع بالاستقلالية، ويليق بمكانة اليابان الاقتصادية والتاريخية.
وأضاف السعيد أن الولايات المتحدة كانت قد خففت القيود على ألمانيا أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وأعادت لها أسلحة كان قد تم الاستيلاء عليها من الجيش النازي، وخففت من قيود تحديد القوات وتسليحها، لتكون قادرة على مجابهة الاتحاد السوفييتي، وهو ما مكنها من لعب دور سياسي ملموس ومؤثر في الاتحاد الأوروبي والساحة الدولية، بينما اليابان ظلت معتمدة إلى حد كبير على القواعد العسكرية الأمريكية.
وأشار السعيد إلى نقطة مهمة وهي أن من يعتقد أن تغيير موقف الولايات المتحدة من تسليح اليابان هو تايوان فقط فإنه لا يرى الصورة الكاملة، التي دفعت الولايات المتحدة إلى الإعلان أن الصين أخطر التحديات، وتقول صراحة إن التقدم الاقتصادي الصيني يهدد مكانتها الدولية، وإن الخطر الصيني يكمن في امتلاكها قدرات يمكن أن تغير السابعة القوى في العالم، ولهذا أشعلت الولايات المتحدة الأزمة بين الصين وتايوان، بعد فترة هدوء طويلة وعلاقات متنامية، كما تسهل ملاحظة أن موقف الولايات المتحدة لم يتغير تجاه اليابان أثناء الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، والتي شهدت قتالا ضاريا ومباشرا بين الصين والولايات المتحدة، لأن الوضع كان مختلفا، فالصين لم تكن دولة قوية وحديثة كما هو الحال الآن، وكانت الولايات المتحدة في أوج قوتها، ولم تكن بحاجة إلى اليابان.
وختم السعيد بالقول: “من هنا يتضح أن الدافع الأمريكي هو إشراك ألمانيا واليابان في تحمل تبعات المواجهة مع الصين وروسيا، لأنها لم تعد قادرة على تحمل تلك الأعباء وحدها، فالاقتصاد الأمريكي في وضع صعب، والداخل الأمريكي منقسم، والسباق مع الصين ليس في صالحها، وعليها أن تتحرك قبل فوات الأوان، ولهذا تعتمد على دعم دول أخرى، لكن الذي لا يشغل الولايات المتحدة حاليا، أنها ستدفع ثمن عودة ألمانيا واليابان لاحقا، وأن البلدين سيكونان من القوة الاقتصادية والعسكرية الكافية للخروج من عبء الهيمنة الأمريكية، وسيصبحان من بين الدول المستفيدة من تشكيل عالم متعدد الأقطاب، لن تكون الولايات المتحدة سوى قطب منه”.
القاهرة ـ ناصر حاتم
المصدر: RT