“ضربة قاضية وتحذير عاجل”.. لماذا انسحبت مصر من اتفاقية الحبوب بشكل مفاجئ؟
تحدث مستشار وزير التموين المصري الأسبق، نادر نور الدين، عن تفاصيل قرار مصر الانسحاب المفاجئ من اتفاقية الحبوب العالمية.
وقال نور الدين في تصريحات لـRT إن انسحاب مصر من اتفاقية الحبوب الأممية والتي بدأت أعمالها عام 1995 أثار تساؤلات عديدة عن أسباب هذا القرار ومدى تأثيره على باقي الأعضاء وعلى مستقبل عمل باقي الأعضاء، خاصة وأن هذه المجموعة العاملة في الإتفاقية تعمل على تغطية تجارة الحبوب عالميا وتعنى بتعزيز شفافية أسواق الحبوب وزيادة التعاون التجاري بين الدول في بورصات وأسواق الحبوب العالمية.
وأوضح نور الدين أن انسحاب مصر، الذي سيكون نافذا اعتبارا من نهاية يونيو القادم في ختام السنة المالية لتجارة الأغذية، يعني بأن عضويتها في الإتفاقية لم تضف إليها شيئا وليست ذات جدوى إقتصادية ولا زراعية.
وتابع: “على الرغم من كون مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بنحو 12 مليون طنا في العام من إجمالي حجم تجارة القمح العالمية البالغة نحو200 مليون طن سنويا، ورابع أكبر مستورد للذرة في العالم أيضا بنحو 12 مليون طنا في العالم من إجمالي 40 مليون طن للتجارة العالمية، وأنها كانت وحتى وقت قريب تشارك في سوق تصدير الأرز بنحو 2 مليون طن من إجمالي 50 مليون طن حجم تجارته العالمية، ونعتقد أن مصر لم تجد صدى من المنظمة الأممية لأن يكون لأعضاء الإتفاقية دورا مهما في ضبط الأسواق العالمية وأن تقدم المساعدة للدول النامية المستوردة لغذائها خاصة الدول الإفريقية، حيث استغل البعض الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة في مضاعفة أسعار الحبوب عالميا وجنوا من ذلك أرباحا كبيرة غير مشروعة إستغلالا للأزمة”.
وأشار نور الدين إلى أنه من قبل ذلك حدثت أزمة الغذاء العالمية لعامي 2011/2010 بسبب تنامي إستخدام الغذاء في إنتاج الوقود الحيوي ومنافسته للإنسان في غذائه، وبما ضاعف أيضا أسعار الحبوب وقتها ووصل سعر طن القمح إلي 480 دولارا للطن، ومن قبلها أزمة عامي 2008/2007 والتي وصفها سكرتير عام الأمم المتحدة وقتها بأنها بسبب مضاربات المجرمين في البورصات العالمية وأيضا ارتفعت معها أسعار الحبوب للضعف وخسرت الدول الفقيرة نحو 1% من ناتجها القومي بما أثر كثيرا على مشروعات رعاية الفقراء وتحسين المعيشة في الريف وأضر بالفقراء كثيرا.
وأكد أن مصر نادت بأن يلعب أعضاء هذه الإتفاقية الأممية دورا في المساعدة على عدم استغلال الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة بعدم رفع الغرب لأسعار الغذاء بهذه النسب الضخمة، ولكنها لم تجد صدى لذلك وتضررت مصر واقتصادها كثيرا من هذه الأزمة والتي كانت أهم أسباب تراجع سيولتها من العملات الأجنبية وإرتفاع معدلات التضخم بها ثم خلقت بعد ذلك أزمة سيولة في العملات الأجنبية أدت إلى تراكم شحنات الحبوب في الموانىء المصرية وتأخير الإفراج عنها بسبب نقص السيولة من العملات الأجنبية والتي تبعتها تحرير صرف العملة بما ضاعف الأسعار، خاصة وأن العالم كان قد خرج لتوه من أزمة كوفيد 19 والتي أثرت كثيرا أيضا على مدخولات واقتصاديات الدول الفقيرة، وسلاسل الإمداد الدولية وبالتالي تكاليف استيراد الحبوب. وعلى الرغم من أسف رئيس وأعضاء الإتفاقية الأممية للحبوب على قرار مصر وأن ستسعى إلى إقناع مصر بالعودة عن قرارها، إلا أن مصر قد لا ترضخ للأمر طالما كانت الإتفاقية بلا دور فاعل في أسواق تجارة الحبوب العالمية وليس لها دور في السيطرة على أسعارها وقت الأزمات.
وأوضح مستشار وزير التموين المصري الأسبق أنه من المعروف أن مصر كانت المستورد الأكبر للقمح الأمريكي حتى عام 2005 ثم تحولت تدريجيا إلي السوق الروسية وأصبحت الآن تستورد نحو 80% من وارداتها من القمح من روسيا بسبب قرب المسافة والتي تقل عن 10 أيام إبحارا فقط بالمقارنة بنحو من 24-28 إبحار للقمح الأمريكي والكندي والأرجنتيني، وكذلك إنخفاض أسعار القمح الروسي عن كل من القمح الأمريكي والإسترالي دون وجود فارق ملموس في النوعية، وكذلك انخفاض نسبة الرطوبة في القمح الروسي وهو غير متيسر في أقماح عدد من المناشئ الأوروبية، وتبعت مصر في ذلك بعض الدول العربية مثل لبنان والأردن والعراق والجزائر والمغرب والسودان واليمن، خاصة بعض وفرة المعروض من القمح الروسي للتجارة والذي تجاوز 50 مليون طنا في العام الماضي، مقارنة بنحو 22 مليون طنا فقط من القمح الأمريكي.
من جانبه، قال الباحث المصري في شؤون الأمن القومي، أحمد رفعت، إن الأصل في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية أن يتم مراعاة مصالح أعضائها والموقعين عليها في مختلف القضايا على اختلاف تنوعها تجارية وبحرية وبيئية واقتصادية وخلافه، ولا تكون المعاهدات والاتفاقيات عملا لاستهلاك الوقت والجهد ولا للاستهلاك الاعلامي ولا للتسلية.
وتابع رفعت في تصريحات لـRT: “عندما يكون سوق الحبوب في العالم بلا ضابط أو رابط تكون اتفاقية كالحبوب غير موجودة عمليا.. ففي ظل الأزمة تتوارد الأنباء علي حصول دول ومناطق بعينها علي النصيب الكاسح منها بغض النظر عن احتياجات باقي دول العالم، مما يكرر مأساة لقاحات كورونا، ومما يعكس كيل بمكاييل متعددة وعدم وجود معاييير وبالتالي تقدم مصر إنذارا كبيرا وتحذيرا مدويا عن هذه الازدواجية وهذا الظلم الذي تتعرض له دول العالم خصوصا في إفريقيا وجنوب الكرة الأرضية كله”.
وأشار إلى أن مصر تكشف عما يجري في سوق الحبوب، حيث تفعل مصر ذلك وهي قد نوعت مصار القمح وتقترب من عشرين دولة وليس روسيا وأوكرانيا فقط كما يتوهم البعض، وهناك رومانيا وفرنسا بل وكندا واستراليا واذربيحان والهند وغيرها حتى لو ظلت روسيا المورد الاول والأكبر والأهم، قابل ذلك مشروع الصوامع في مصر بما يرفع القدرة على التخزين لعام كامل لضعف الكمية ستصل إلى 4 مليون طن وكذلك تقليل الإهدار وتكلفته، ربما ينبه التحذير المصري العالم إلى مأساة حقيقية في سوق الحبوب”.
المصدر: RT
القاهرة – ناصر حاتم