قصة التعويضات والتحول إلى سلاح ضد الخصوم!

قصة التعويضات والتحول إلى سلاح ضد الخصوم!

نجح الزعيم الليبي معمر القذافي في عام 2008 في مسعى بتغريم إيطاليا ولو رمزيا عن ماضيها الاستعماري، وحصلت بلاده على تعويضات بقيمة 5 مليارات دولار على احتلال دام 30 عاما.

القذافي في نهاية أغسطس 2008 وقع اتفاقا بهذا الشأن مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، نص على  “تخصيص أموال لمشاريع البناء ومنح الطلاب ومعاشات تقاعدية لليبيين الذين قاتلوا إلى جانب إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية”، وكذلك بناء طريق سريع يمتد على طول الساحل الليبي.

برلسكوني وصف المذكرة الموقعة بين الجانبين بأنها “اعتراف مادي وعاطفي بالأخطاء التي ارتكبتها إيطاليا”، مشيرا في نفس الوقت إلى أن هذا الاتفاق يفتح الطريق إلى مزيد من التعاون مع ليبيا.

القذافي الذي كان دعا الجزائر أيضا إلى مطالبة فرنسا بتعويضات عن 132 عاما من الاحتلال، توصل إلى هذا الاتفاق مع إيطاليا بعد ممارسة ضغوط بما في ذلك التهديد بحرمان شركاتها من امتيازاتها ومصالحها في ليبيا، وامتثلت روما، بطبيعة الحال، لأن أعمالها المربحة في ليبيا أهم بكثير من هذا المبالغ.

لم يكمل القذافي طريقه وخرج من المسرح السياسي قتيلا بطريقة وحشية في ظل تدخل الناتو العسكري في أكتوبر 2011، وبقي اتفاقه مع إيطاليا على التعويض عن الحقبة الاستعمارية سابقة بالنسبة لظروفها وأحوالها.

التعويض سلاح ضد الخصوم:

الحديث تجدد في الفترة الأخيرة عن التعويضات، بتلويح الغرب بها ضد روسيا على خلفية الأحداث في أوكرانيا، ما يظهر مجددا أن المبادئ والقوانين تعمل في المنظومة الدولية بطريقة انتقائية وانتهازية. يظهر ذلك بوضوح في الحرية التامة التي تتحرك بها الآلة العسكرية الأمريكية في غزواتها المدمرة المتوالية، وآخرها في العراق وليبيا وسوريا، ولم يرفع أحد صوته متحدثا عن تعويضات عن تدمير دول كاملة وسرقة مقدراتها بعد ذلك وجعلها رهينة فوضى عارمة وحالة فشل وشلل، تعجز عن الخروج منهما.

تجربة التعويضات في الحرب العالمية الأولى:

التعويضات عن الحروب طبقت لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى حيث ألزمت معاهدة فرساي لعام 1919 ألمانيا المهزومة على دفع ميلغ قدره 296 مليار مارك ذهبي، أي ما يعادل بالقيمة الحالية ما بين 3 إلى 4 تريلون دولار.

 تلك الأموال الهائلة تم تحصيلها من عائدات الجمارك والضرائب، وكذلك من الفائدة على قروض الدولة للشركات الألمانية.

تواصل دفع التعويضات إلى أن شهدت ألمانيا أزمة اقتصادية خانقة ولم تعد قادرة على خدمة ديونها. وحينها فقد 40٪ من الألمان أعمالهم، وحصل تقصير في دفع التعويضات.

في عام 1933، رفض هتلر، بعد أن وصل إلى السلطة عقب موجة من الاحتجاج ضد تلك الخصومات ذاتها، دفع تعويضات للبلدان الأخرى.

بعد الحرب العالمية الثانية، وبحسب معاهدة لندن لعام 1953، كان من المفترض أن تستأنف ألمانيا دفع التعويضات، ولكن تم تأجيل دفع جزء من المبلغ حتى جرى لم شمل ألمانيا وجمهورية ألمانيا الديمقراطية.

حين تحقق ذلك في عام 1990، تم تحديد موعد نهائي جديد مدته 20 عاما لدفع التعويضات، وحصلت ألمانيا على قرض بقيمة 239.4 مليون مارك وهو ما يعادل 139 مليون دولار. وتم أخيرا جرى تسديد تعويضات الحرب العالمية الأولى في عام 2010، تم ذلك بعد 92 عاما.

تعويضات الحرب العالمية الثانية:

بعد استسلامها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تعهدت ألمانيا أيضا بدفع تعويضات لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا. كما تم فرض تعويضات على حلفاء الألمان، رومانيا وإيطاليا وبلغاريا والمجر وفنلندا وكذلك اليابان، توجب على هذه الدول التخلي عن أصولها الأجنبية بمبلغ 23.6 مليار دولار.

 في المحصلة، علاوة على الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، حصلت عشرات الدول على تعويضات، مثل ألبانيا وإثيوبيا واليونان ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبورما والصين وإسرائيل ودول أخرى.

باختصار، المنتصرون في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فهموا التجربة المحزنة التي انتهت إليها تعويضات الحرب العالمية الأولى، وتصرفوا بطريقة مختلفة. تم تقسيم ألمانيا إلى مناطق احتلال وجرى التعويض ما أمكن، عن طريق الحصول على السلع والإنجازات التقنية المتطورة ومصادرة المصانع والمعدات والموارد الأخرى بدلا عن الأموال.

تعويضات ما بعد الحرب العالمية الثانية:

في الفترة الزمنية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت التعويضات نادرة، وبانتهاء حرب الخليج “1990 – 1991″، قرر مجلس الأمن فرض تعويضات على العراق لصالح الحكومة والشركات والمواطنين في الكويت.

تم في المجموع تقديم طلبات للحصول على تعويضات بأكثر من 352 مليار دولار، إلا أن هيئة خاصة تابعة للأمم المتحدة وافقت فقط على مدفوعات قدرها 52.4 مليار دولار. العراق لأكمل في عام 2021 دفعات تعويضات غزوه للكويت، وجرى ذلك سنويا بخصم 5% من عائدات تصدير النفط والغاز التي كانت تحول إلى صندوق خاص للأمم المتحدة ومنه ترسل إلى الكويت.

حالة نادرة أخرى جرت على هامش العمليات العسكرية التي نفذها الغرب ضد يوغسلافيا في عام 1990، وتمثلت في دفع الولايات المتحدة تعويضا للصين بعد أن تضرر مبنى سفارتها في بلغراد من غارات شنت على المنطقة، وقتل حينها مراسل لوكالة أنباء “شينخوا” وصحفي يعمل في صحيفة الشعب وزوجته. واشنطن استرضت في ذلك الوقت بكين بدفع 4.5 مليون دولار لأقارب الضحايا و28 مليون دولار أخرى كتعويضات عن الحادث.

أما آخر إجراء قضائي بشأن التعويضات فقد جرى في فبراير 2022، حين ألزمت محكمة العدل الدولية في لاهاي اوغندا بدفع تعويضات قدرها 325 مليون دولار إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية عن دورها في الصراعات الدموية في مقاطعة إيتوري الغنية بالموارد، فيما يسمى  بالحرب الكونغولية الثانية بين عامي 1998-2002، فيما كانت الكونغو قد طالبت بمبلغ 11 مليار دولار.

المصدر: RT

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *